بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
مما امتازت به السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام وأحد مظاهر بركتها وتفضلها على هذهِ الأمة دعائها للمؤمنين والمؤمنات، فقد ورد عن أبنائها المعصومين إنها كانت تُكثر من الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وكانت تذكرهم بأسمائهم في دعائها .
وقد تناقل الأئمة هذهِ الفضيلة الكريمة لمولاتنا الزهراء عليها السلاموأكدوا عليها، فقد روى الإمام الصادق عن الإمام الباقر عن الإمام السجاد عن فاطمة الصغرى عن الإمام الحسين عن الإمام الحسن عليهم الصلاة والسلام: «رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني، الجار ثم الدار».
وكان هذا هو حال سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام تشمل بفيض بركاتها المؤمنين والمؤمنات من شيعتها ومحبيها بتسبيحات دعائها الشريف، وتتفضل عليهم بالإستغفار لهم، فقد ورد عنها أنها كانت لا تنام حتى تستغفر للمؤمنين والمؤمنات قبل منامها .
إن للسيدة الزهراء مع الدعاء علاقة وثيقة وارتباط عميق فقد كانت تقضي ليلها ساهرةً في الصلاة والدعاء والإنقطاع إلى الله عز وجل، وقد روي عنها الكثير من الأدعية العامة والخاصة كأدعية الأيام وأدعية تعقيبات الصلوات وأدعية ليلة الجمعة ويومها وأدعية شهر رمضان المبارك، وأدعية في طلب قضاء الحاجات ورفع البلاء وأدعية الشفاء من الأمراض.
وكانت تُعلم بعضاً من ادعيتها لمن كان يلتمس منها الدعاء مثل: سلمان المحمدي وأسماء بنت عميس، ومما تميزت بهِ بعض ادعيتها إنها تتضمن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وطلب المغفرة لهم، ونذكر هنا نماذج منها:
- في الدعاء المسمى «دعاء الحريق» المروي عن السيدة فاطمة الزهراء : «اُعيذ أهل بيت نبيّي محمّد صلى الله عليه وآله، ونفسي وديني وذرّيّتي ومالي، وولدي، وأهلي، وقراباتي وأهل بيتي، وكلّ ذي رحم لي دخل في الإسلام أو يدخل إلى يوم القيامة، وحزانتي، وخاصّتي، ومن قلّدني دعاءً، أو أسدى إليّ برّاً، أو ردّ عنّي غيبةً، أو قال فيّ خيراً، أو اتّخذت عنده يداً، أو صنيعةً؛ وجيراني، وإخواني من المؤمنين والمؤمنات، باللَّه وبأسمائه التّامّة العامّة».
- ومن دعاء لها علمته أحد المؤمنين للخلاص من المهالك: «... يا جامِعَ كُلِّ فَوْت، يا بارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد واَهْلِ بَيْتِهِ، وآتِنا وَجَميعَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ فِي مَشارِقِ الاَرْضِ وَمَغارِبِها فَرَجاً مِنْ عِنْدِكَ عاجِلاً... ».
وحتى في آخر أيام حياتها رغم ما بها من آلام المرض وشدة ما جرى عليها من مصاب لم تنسى شيعتها من الدعاء، فقد روت السيدة أسماء بنت عميس حالها في آخر أيامها: رأيتها في مرضها جالسة إلى القبلة رافعة يديها إلى السماء قائلة:
- دعائها: «اللّهمّ إنّي أسألك بمحمّد المصطفى وشوقه إليّ، وببعلي عليّ المرتضى، وحزنه عليّ، وبالحسن المجتبى وبكائه عليّ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ، وببناتي الفاطميّات وتحسّرهنّ عليّ، أن ترحم وتغفر للعصاة من أُمّة محمّد، وتدخلهم الجنّة، إنّك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين».
- دعائها: « إلهي وسيدي أسألك بالذين اصطفيتهم، وببكاء ولدي في مفارقتي ان تغفر لعصاة شيعتي وشيعة ذريتي».
إن علاقة السيدة الزهراء بشيعتها وحرصها عليهم لا يقتصر على الدنيا فحسب بل تستمر حتى في الحياة الآخرة، حيث إنها لها موقف يوم القيامة للشفاعة في شيعتها وشيعة ذريتها ، جاء في كتاب «مناقب آل أبي طالب» لأبن شهر آشوب عن أئمة أهل البيت أن النبي قال في حديث طويل نذكر محل الشاهد منه؛ « إذا كان يوم القيامة تأتي فاطمة على ناقة من نياق الجنة، خطامها من لؤلؤ رطب، وقوائمها من زمرد أخضر،....، وجبريل آخذ بخطام الناقة، وهو ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمة. فيغضّون أبصارهم حتّى تجاوز عرش ربها، وتزج نفسها عن ناقتها، وتقول: إلهي وسيدي ومولاي، احكم بيني وبين مَن ظلمني وقتل ولدي؛ فإذا النداء من قِبل الله تعالى: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تُعطَي، واشفعي تُشفعي، فوعزّتي وجلالي لا يجاوزني ظلم ظالم؛ فتقول: إلهي وسيدي ومولاي، ذرّيتي، وشيعتي، وشيعه ذريتي؛ فإذا النداء من قِبل الله تعالى: أين ذرّية فاطمة، وشيعتها وشيعة ذرّيتها، ومحبوها ومحبو ذرّيتها؟ فيقولون وقد أحاطت بهم ملائكة الرحمن: ها نحن يا ربَّنا. فتقودهم فاطمة حتّى تدخلهم الجنة.... ».
° الاقتداء والتأسي بالسيدة فاطمة عليها السلام:
لنا في مولاتنا فاطمة الزهراء أسوة وقدوة، فإن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات من أفضل الأعمال، ويجلب للداعي الخير والبركة، وذكرت الروايات آثار وبركات كثيرة للدعاء للمؤمنين؛ فهو سبب لنيل الشفاعة يوم القيامة ويؤدي لأستجابة الدعاء بحق الداعي؛ وهذهِ بعض من أحاديث أهل البيت في هذا الباب:
- الرسول الأعظم : «... إن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيُسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات يارب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه، فيشفعهم الله عز وجل فيه فينجو».
- أمير المؤمنين : «من دعا لأخوانه من المؤمنين، وكل الله به عن كل مؤمن ملكاً يدعو له».
- الإمام الصادق : « دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق، ويصرف عنه البلاء، وتقول له الملائكة لك مثله».
إن أولى الناس بالدعاء له هو مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، وإن من أهم واجباتنا تجاه الإمام المهدي عجل الله فرجه في عصر الغيبة الكبرى هو الدعاء له بالحفظ والسلامة وتعجيل فرجه والنصر والتأييد له، وهناك الكثير من الأدعية الخاصة بالدعاء للإمام المهدي ذكر الشيخ القمي رحمه الله مجموعة منها في كتابه «مفاتيح الجنان» والسيد الأصفهاني في كتابه «وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام».
ومن أحق الناس بالدعاء الوالدين في حياتهما أو بعد مماتهم فمن البر بهما الدعاء لهما.
نسأل الله أن يوفقنا لمناجاته وأن يجعلنا من أهل الدعاء والتضرع إليه وأن يتفضل علينا بشفاعة مولاتنا فاطمة الزهراء وأن لا يحرمنا بركاتها في الدنيا والآخرة.