بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
يعاني كثير من المسلمين فى بقاع كثيرة من الأرض من أنواع المعاناة المختلفة ، فمنهم الفقير ، ومنهم المهجر ، ومنهم الخائف ، ومنهم المستضعف ، ومنهم اللاجىء العائل ومنهم المريض ومنهم العاجز .. وغير ذلك
كثير من هؤلاء لايجد من يواسيه أو يحمل همه أو يداوي جراحه أو يربت على كتفه أو يمسح دمعاته
هؤلاء قد يكونون في أقصى الأرض أو مشرقها أو مغربها ، وقد يكونون سودا أو بيضا أو صفرا ، اختلفت لغاتهم وتباينت لهجاتهم ..
لكن رابطا إيمانيا خفيا يربط قلوبهم جميعا مهما تباعدت بهم الأماكن , وحجزت بينهم الحواجز , هو أوثق من أي رباط مادي , إذ يُنبت في صدورهم محبة بينهم , وينشىء في نفوسهم حرصا على الخير لهم , ويحيى في عقولهم اهتماما بشئونهم , بل إنه يجعلهم وكأنهم بالفعل جسد واحد مترابط متعاضد البنيان .
أن رابط الإيمان يدوم ولا ينقطع , ويثاب المرء باستمساكه به , ويهب قيما فاضلة بين الناس , فيعلي الحق , ويدافع عن المظلوم , ويرحم الضعيف , ويكفل الفقير , ويجبر الكسير , كل ذلك ابتغاء وجه الله سبحانه .
بل إن أثره بين المؤمنين يستمر حتى بعد الحياة , فيظل صاحبه يثاب بصدقته الجارية أو بعمله ذي الاثر الباقي ما يجعل الأحياء يدعون له ويذكرونه بالجميل , ثم تكون المكافأة الكبرى إذ يتوج رباط الإيمان في الحياة بأخوة وصحبة في الآخرة .
إن تداعيا مبهرا يحصل بين الأعضاء عند شكوى أحدها وإيلامه , يمثل لنا نوعا معجزا من العطاء إذ تُستدعي أنسجة الجسد وغدده وأجهزته دعما لهذا العضو المريض أو المتألم , كما تشتكي تلك الاعضاء بشكواه , ولا تهدأ إلا عند شفائه .
إن هذا ما يحدث في الجسد الحي الصحيح , أما الأعضاء التي لا تستشعر آلام بعضها ولا تنتهض لدعمه هي في الحقيقة أعضاء ميتة لا حياة فيها .
يقول سبحانه :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ " عند هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف
إن ذاك الجسد المؤمن يئن ويشتكي ملايين من ابنائه اليوم , إن منهم آلاف الأطفال يرتجفون من الصقيع والبرد لا غطاء لهم ولا سكنى , ومنهم مئات الآلاف من المستضعفين الذين لا يقدرون على القيام بشأن أنفسهم ولا رعاية أحوالهم .
إنه لا عذر لأحد في أن ينام ساكنا بينما البرد القارص ياكل أجساد الصغار , والجوع المهلك يؤلم الأسر الفقيرة المهجرة , والخوف المرعب يحيط بالأرامل والنساء اللاتي فقدن أزواجهن , والحزن القاتل يهجم على قلوب الثكالى .
إن معاني الإيمان تلك ليست مجرد معان جامدة , ولا نظريات مكتوبة , بل إنها تطبيق وعمل , وتحرك وإيجابية وعطاء , ودفع تنفيذي نحو المسارعة بالمنفعة
فلتعل الأيدي بالعطاء ، ولترفع الأكف بالدعاء ، ولتلهج القلوب بالمشاركة الشعورية لكل متألم