نسبه ونشأته

هو تاج الدولة أبو سعيد تتش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ابن دقاق السلجوقي، ولد في شهر رمضان سنة 458هـ = 1065م، تربى وعاش في كنف أبيه ألب أرسلان. وهو أخو السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، وأحد أمراء السلاجقة الكبار.

ولايته لبلاد الشام

أَسند إيه أخوه ملكشاه حكم بلاد الشام سنة 470هـ = 1077م، وكلفه ضم ما يستطيع من الأقاليم المجاورة إلى حوزة السلاجقة.

كانت بلاد الشام قبل وصول السلاجقة إليها موزعة بين قوى متعددة، فقد حكم المرداسيون حلب وما يحيط بها، وخلفهم في حكمها العقيليون بقيادة مسلم بن قريش (477 - 479هـ)، وكان بنو عمار في طرابلس، وقضاة بني عقيل في صيدا، والفاطميون يحكمون جنوبي بلاد الشام وساحله.

دخوله دمشق

في هذه الأوضاع، وصل أتسز بن أوق التركماني إلى بلاد الشام، وتمكن من الاستيلاء على الرملة وبيت المقدس من الفاطميين سنة 463هـ وعلى دمشق سنة 468هـ، ولكنه أخفق في محاولته غزو مصر سنة 470هـ=1077م، فشجّع هذا الإخفاق الفاطميين، فحاولوا استعادة دمشق وبيت المقدس، بقيادة أمير الجيوش بدر الجمالي، مما دفع بأتسز إلى الاستنجاد بتتش، الذي كان يحاصر حلب، ويعمل على الاستيلاء عليها.

فترك وتوجه إلى دمشق، فلما علم قائد الجيش الفاطمي بأنباء اقتراب تتش انسحب عنها، فدخلها تتش دخول الظافرين لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة 471هـ = 1079م، واتخذها مقرًا له، ثم ما لبث أن تخلص من أتسز. وبدأ بذلك تأسيس دولة السلاجقة في بلاد الشام.

محاولاته الاستيلاء على حلب

أحسن تتش السيرة في دمشق، وعمل على التوسع في المناطق المحيطة بها، فاستولى في السنة نفسها على صيدا، وحصن ابن عكار، وطبرية والرملة ويافا، وبيت المقدس، وحاول الاستيلاء على حلب، فحاصرها من دون جدوى، ثم ارتدّ عنها، وأخذ يستولي على ما جاورها من المدن، مثل بُزاعَة، والبيرة.

أدت محاولات تتش المتكررة للاستيلاء على حلب، إلى استنجاد أهلها بمسلم بن قريش العقيلي -صاحب الموصل- للدفاع عن مدينتهم، فتمكن مسلم من القضاء على الدولة المرداسية، ودخل حلب، وحصل على اعتراف السلطان ملك شاه بحكمه لمدينة حلب.

أغضب هذا التصرف تاج الدولة تتش، فقرر إرسال الجيوش لقتال مسلم بن قريش ولكن مسلمًا بادره بإرسال الجيوش لمحاصرة مدينة دمشق نفسها سنة 476هـ / 1083م. وما لبث أن اضطر لترك الحصار، بعد أن علم باسترداد سليمان بن قتلمش، أمير سلاجقة الروم، لمدينة أنطاكية من البيزنطيين، والنفوذ الواسع الذي صار له في الشام، ومطامعه في حلب.

دارت بين سليمان بن قتلمش ومسلم بن قريش معركة قرب أنطاكية سنة 478هـ /1085م انتهت بهزيمة مسلم ومقتله، ومع ذلك فقد أخفق سليمان في دخول حلب بعد حصارها.

أدت مطامع كل من سليمان بن قتلمش وتتش بن ألب أرسلان في الاستيلاء على حلب إلى وقوع خلاف بينهما، نتج منه وقوع معركة طاحنة بالقرب من حلب، انتهت بانتصار تتش، ومقتل سليمان بن قتلمش سنة 479هـ = 1086م، ودخل تتش حلب، وضمها إلى حوزته وصار سيد الموقف في بلاد الشام.

استاء ملكشاه من هذا الصراع بين أفراد أسرة السلاجقة، ومن اتساع نفوذ أخيه تتش، فآثر أن يتوجه بنفسه إلى المنطقة، فوصل إلى الجزيرة الفراتية في جمادى الآخرة من العام نفسه، وأخضع في طريقه ما صادفه من قلاع، ثم توجه إلى حلب، فلما اقترب منها، أخلاها تتش ورحل إلى دمشق، فدخل ملكشاه المدينة، وطمأن أهلها، وخلف عليها آق سنقر قسيم الدولة، والد عماد الدين زنكي، واليًا عليها. وبذلك تقلص نفوذ تتش ثانية.

الصراع بين تتش وبركياروق بن ملكشاه

توفي السلطان ملكشاه سنة 485هـ، فكان ذلك إيذانًا بتفكيك امبراطورية السلاجقة، فطمع تتش بالوصول إلى السلطنة، منافسًا في ذلك ابن أخيه بركيا رق -الابن الأكبر لملكشاه. وتمكن تتش في بداية الأمر، من أن يضم إليه كلًا من بوزان صاحب الرها وحرَّان، وآق سنقر صاحب حلب وياغي سيان صاحب أنطاكية، فاستولى بمساعدتهم على نصيبين، وكان قاسيًا في معاملته لأهلها. ثم استولى على آمد وميافارقين والموصل. ودخل إلى فارس.

وما لبث أن انفصل عنه بوزان وآق سنقر، وانضما إلى بركيارق، الوريث الشرعي للعرش، ولم يبق مع تتش إلا ياغي سيان، فآثر تتش الارتداد على بلاد الشام لجمع الأنصار، فلاحقه أنصار بركيا رق، فالتقى بهم في معركة عند تل السلطان على مسافة ستة فراسخ جنوبي حلب، فانتصر تتش، وقتل آق سنقر سنة 487هـ، وتمكن بذلك من الدخول إلى حلب، كما قتل بوزان، وحمل كربوقا أسيرًا إلى حمص.

وفاته

صار الطريق إلى المشرق مفتوحًا أمام تتش، فتوجه لقتال ابن أخيه بركيارق، ولما وصل إلى همذان فر منه بركيارق، والتجأ إلى أصفهان. وأخذ يجمع الأنصار حوله، ثم هاجم تتش بالمقرب من مدينة الرَّي، ودارت بينهما رحى معركة طاحنة، في في يوم الأحد سابع عشر صفر سنة 488هـ / 26 فبراير 1095م، انهزم فيها تتش لانفضاض أنصاره عنه، وسقط قتيلًا في المعركة، بعد أن أبدى مهارة فائقة، فاستبيح عسكره ونهب. وبذلك أخفق تتش في الوصول إلى السلطنة، وخسر حياته بسببها.

انقسمت أملاك تتش في بلاد الشام بين ولديه رضوان الذي حكم حلب، ودُقاق الذي حكم دمشق. وبذلك عادت بلاد الشام إلى التمزق السياسي. ونشب صراع بين الأخوين، كان من العوامل المساعدة لنجاح الحملة الصليبية الأولى.

صفاته

قال عنه الذهبي:"كان شجاعا مهيبا جبارا، ذا سطوة، وله فتوحات ومصافات، وتملك عدة مدائن، وخطب له ببغداد، وصار من كبار ملوك الزمان .. وكان يتغالى في حب الشيخ أبي الفرج الحنبلي (شيخ الحنابلة في وقته)، ويحضر مجلسه، فعقد له ولخصومه في مسألة القرآن مجلسا، فقال تتش: هذا مثل ما يقول، هذا قباء حقيقة ليس هو بحرير، ولا قطن، ولا كتان، ولا صوف".

وأبو الفرج الحنبلي هو الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن بن أحمد الأنصاري، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي المقر، الفقيه الحنبلي الواعظ، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، من كبار أئمة الإسلام. لازم القاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه به، ودرس ووعظ، وبث مذهب أحمد بأعمال بيت المقدس، وصنف التصانيف، منها:"المبهج"، و"الايضاح"، و"التبصرة"في أصول الدين، وكتاب"الجواهر"وهو ثلاثون مجلدة في التفسير، و"مختصر في الحدود"، وفي"أصول الفقه"، و"مسائل الامتحان".

وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجة في مجلس السلاطين بالشام. وكان الملك تتش بن ألب أرسلان يعظمه؛ لأنه تم له مكاشفة معه. وتوفي في ذي الحجة، سنة 486هـ / 1093م.

_________________

المصادر والمراجع:
- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، الناشر: دار صادر، بيروت 1979م).
- ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق، تحقيق سهيل زكار، دار حسان للطباعة والنشر، 1403هـ.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، د.ت.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر : مؤسسة الرسالة، الطبعة : الثالثة ، 1405هـ / 1985م.
- الحسيني، أخبار الدولة السلجوقية (زبدة التواريخ)، تحقيق محمد إقبال، لاهور1933م.
- أمينة البيطار: تتش بن ألب أرسلان، الموسوعة العربية العالمية، المجلد السادس، ص10.
- قصة الاسلام