إن اللغة تعتبر رمزا من رموز وحدة الأمة، والترسانة التي تحمي كيانها، وثابت من ثوابت الهوية. اللغة هي الوسيلة المعبرة عن الثقافة والوعاء الذي يحتوي الثقافة، فإن أصاب الوعاء أي خدش تأثر ما فيه وفسد محتواه.
واللغة العربية الفصحى منذ القدم لا تزال صامدة في مواجهة تحديات كثيرة، لكونها لغة حية تحمل رسالة سماوية عادت على الإنسانية جمعاء بالنور والهداية، واليوم في طوفان العولمة الجارف تعيش اللغة العربية مجدداً حرب البقاء، لاسيما بعد أن تشبع الناس بالعامية ويعيشونها ويعجبون بها.
ومع ازدياد اقبال الشباب العربي من الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ يتسع نطاق غربتنا عن لغتنا الأم حيث طفى على السطح من جديد ذلك الأسلوب الغريب للتواصل والمحادثة يجمع بين العربية واللاتينية بآن معاً عرف بطريقة "الفرانكو آراب"، وهناك من يفضل تسميتها "العربيزي" أو "الأنجلو أراب" وغيرها من المسميات.ويمكن تعريف هذه الطريقة بأنها "أسلوب في الكتابة غير محدد القواعد مستحدث غير رسمي ظهر منذ بضعة سنوات، ويستخدم البعض هذه الأبجدية باللغة العربية أو بلهجاتها، وتنطق مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف والأرقام اللاتينية بطريقة تشبه الشيفرة. فمثلاً رقم (7) يمثل الحرف (ح)، والرقم (3) يمثل الحرف (ع)، والرقم (2) يمثل الهمزة (ء)... إلخ. وظهرت أيضاً عبارات واختصارات مثل (OMG) وهي اختصاراً لعبارة oh my god وتعني يا إلهي، ونجد كذلك عبارة (7mdllh) وتعني الحمد لله!!
إن هذا الاختراق لعقول شبابنا وشاباتنا لتمييع اللغة واندثارها هي خطة بدأت منذ أن اكتشف الغرب أن الطفل العربي المسلم مايميزه بالفصاحة والفهم هو حفظ القرآن الكريم.
إننا لو ألقينا نظرة عجلى على تاريخ هذه الظاهرة لعلمنا وجود اقتراحات ودعاوي لكتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية، ففي أوائل القرن العشرين كتب عيسى اسكندر المعلوف مقال نشرته الهلال سنة 1902 يدعو من خلاله إلى الكتابة بالعامية بدلاً من الفصحى، وفي عام 1944 اقترح عبد العزيز فهمي باشا استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي.
أما عن العوامل التي ساعدت على ظهورها من جديد، فيرجع بعض الباحثين أنها ارتبطت أولاً بانتشار الهواتف المحمولة والذكية وبرامج الحواسيب والبرمجة وافتقار هذه الأجهزة والبرامج للغة العربية، مما أدى حاجة المستخدمين إلى استخدامهم الحروف اللاتينية للتعبير عن الكلمات العربية. ومن بين الأسباب أيضاً، إيجاد طريقة يمكن من خلالها التفاهم والتحدث مع العمالة الآسيوية الغير ناطقين بالعربية. فضلاً عن ذلك، النظرة الدونية للغة العربية وعدم الاعتزاز بها، فهناك شريحة واسعة خاصة من فئة الشباب تعتبر الكتابة بهذه الطريقة هو مسايرة لعصر التقدم والتطور والثورة على كل ما هو قديم وتقليدي، فالحروف العربية في نظرهم عاجزة عن مواكبة هذا التقدم !!.
إن المسألة لا تتوقف على طريقة كتابة فحسب، حيث بدأت مؤخراً مواقع عالمية بترجمة هذه الطريقة، وهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع العربي تدريجياً وخاصة في ظل القرية الكونية والانفتاح على الآخر، هذا العصر الذي كدنا نفقد هويتنا ضمنه. فمن الصور المؤلمة التي أصبحنا نراها بشكل جلي بين أواسط الشباب والذين هم آباء وأمهات الغد وأساتذة ومعلمين للجيل القادم ضحالة المفردات اللغوية وضعف المهارات الإملائية، وتردي الملكات التعبيرية لديهم.
حيث أن مع التنامي المخيف لهذه اللغة الهجينة ثمة قلق جدي لدى الحادبين على لغة العروبة والقرآن من أن تجد نفسها أمام أجيال تجد صعوبة بالغة في التعاطي مع لغتها الأم شفاهة وإملاء، فضلا عن التذوق والتدبر.إن هذا الاختراق لعقول شبابنا وشاباتنا لتمييع اللغة واندثارها هي خطة بدأت منذ أن اكتشف الغرب أن الطفل العربي المسلم مايمييزه بالفصاحة والفهم هو حفظ القرآن، حيث وجدوا أن الطفل حصيلته اللغوية فوق 5000 كلمة يسلتهمها من القرآن فاخترعوا الحضانة بدل الكتّاب - دور تحفيظ القرآن سابقاً-، وهكذا تطورت الأمور واستطاعوا اختراق حياتنا بغفلتنا لدرجة وصلنا فيها أن بعض الدول العربية لاتدرس اللغة العربية في مدارسها للأسف.
هناك شريحة واسعة خاصة من فئة الشباب تعتبر الكتابة بهذه الطريقة هو مسايرة لعصر التقدم والتطور والثورة على كل ما هو قديم وتقليدي، فالحروف العربية في نظرهم عاجزة عن مواكبة هذا التقدم!!ا
إن كتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية أمر ليس عادياً، فهي تقتل روح اللغة وجماليتها وفرادتها، ليس هذا فحسب بل تقطع الصلة وبشكل نهائي بين الجيل الجديد وتراثنا العربي المكتوب بأحرف عربية. بالرغم من خطورة وتداعيات هذه الظاهرة، فإننا لا نجد من تناولها بالدراسة والتحليل، ولم تنفرد بحوث علمية لدراستها.
ختاماً، إننا بحاجة إلى مشاريع وأنشطة ثقافية وعلمية جادة لإحياء العربية الفصحى في الأطفال والناشئة والشبيبة وتحبيبهم باستخدامها والتواصل بها، وتذوقها، وتبصيرهم بقيمتها ومكانتها.