اذا افترضنا ان احدى السيارات تسير بسرعة 100 كم في الساعة وبعكس اتجاهها تسير سيارة اخرى بنفس السرعة, فان نسبة سرعة كل واحدة من السيارتين للاخرى هي 200 كم في الساعة. فلو كانت المسافة بينهما 100 كم فانها سيلتقيان بعد نصف ساعة فقط.
ولو كانتا يسيران بمحاذاة بعضهما البعض وبنفس السرعة ايضا فان سرعة اي واحدة من السيارتين بالنسبة للاخرى هي صفر. اي انهما سوف لن يفترقا طالما كانا يسيران بنفس الاتجاه ونفس السرعة.
واما سرعة كل واحدة منهما بالنسبة الى الشارع فهي 100 كم في الساعة. اي انهما سيبتعدان بمسافة 100 كم بعد ساعة واحدة من الوقت عن كل نقطة من الشارع.
هل هذا هو مبدأ النظرية النسبية؟!
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان العالم الهولندي هندريك لورنتز (Hendrik Lorentz) قد وضع ما يعرف بتحولات لونرنتز والتي كانت البنية الاساس لصياغة العالم الفيزيائي الشهير البرت اينشتاين نظريته المعروفة بالنظرية النسبية الخاصة, محدثا بذلك ثورة علمية هائلة وخروجا على قوانين الفيزياء الكلاسيكية الموروثة عن اسحاق نيوتن.
ولفهم النظرية النسبية نضرب المثال التالي: تخيل انك داخل قطار يسير بسرعة 120 كم في الساعة. فاذا كنت تسير بسرعة 2 كم في الساعة داخل القطار باتجاه مقطورة اخرى تقع في اقصى القطار ( اي ان حركتك ستكون بالاتجاه المعاكس لوجهة القطار), فان سرعتك بالنسبة الى الارض ستكون118 كم في الساعة. واذا ما اردت العودة الى مكانك (اي ان حركتك ستكون بنفس وجهة القطار) فهذا يعني ان سرعتك بالنسبة الى الارض 122 كم في الساعة. وهذا ما تحدث عنه نيوتن حيث وصف السرعة على انها شئ نسبي وان جهة الحركة تحدد ما اذا كانا سنستخدم عملية الجمع او الطرح.
وبما ان كل حركة هي نسبية, فاننا نتكلم عن "الاطر المرجعية" باعتبارها النقطة التي تقاس منها حركة ما. ففي الحركة احادية البعد مثل مسير القطار على سكة الحديد وبخط مستقيم فاننا يمكننا ان نفكر في اطار مرجعي ثابت مثل محطة القطار مع المسافة x والوقت t كشروط لهذا الاطار المرجعي. حيث يتم تحديد نقطة الصفر على الارض في منطقة معينة من المحطة وقراءة الوقت من ساعة المحطة, وتكون الاحداثيات بالنسبة الى هذا الاطار المرجعي (x,t).
ولا ننسى انه يوجد ايضا اطار مرجعي اخر داخل القطار. فاذا ما قسنا المسافة الى نهاية القطار وراقبنا الوقت في ساعة ما فاننا نحصل على مجموعة اخرى من الاحداثيات (x0, t0). ومن الممكن ايضا ان تتزامن كلتا المجموعتين من الاحداثيات. فاذا ما تجاوز القطار النقطة المرجعية في محطة القطار (x=0 و t=0) وفي نفس الوقت كنت انت بجنب النقطة المرجعية الموجودة داخل القطار, حيث ان (x0=0 و t0=0) فاننا نحصل على علاقة ما بين نوعي الاحداثيات.
وفي نفس اللحظة التي تجاوز فيها القطار النقطة المرجعية في المحطة قررت انت مغادرة مقعدك باتجاه المقطورة الاخيرة (حيث توجد النقطة المرجعية داخل القطار). حينها يمكننا حساب المسافة التي قطعها القطار بعد 5 دقائق ـ مثلا ـ من مغادرته المحطة. فنحن نعلم ان القطار يسير بسرعة 2 متر لكل دقيقة, مما يعني انه قطع 10 كم خلال 5 دقائق. وذلك يعني انك قطعت مسافة (10/60) من الكيلومتر الواحد ( سرعتك كانت 2 كم في الساعة مضروبة مع الوقت 5/60). اجمالا تكون قد قطعت مسافة x والتي تساوي (10 كم زائد 10/60) من المحطة.
العلاقة ما بين x و x0 نحصل عليها من خلال المعادلة التالية:
وفي المثال فان v تساوي 120 كم في الساعة.
واذا ما قمنا بعكس المعادلة فاننا يمكن ان نحصل على المسافة التي قطعتها بالنسبة الى النقطة المرجعية داخل القطار, فاننا نحصل على المعادلة التالية:
وبحسب الموروث الكلاسيكي للفيزياء ونظريات نيوتن فان التدفق الزمني احادي البعد ومنذ الازل حتى المستقبل يبقى كما هو ولا علاقة له بالفضاء. ولانه كتلة مطلقة فان الوقت داخل القطار بالنسبة لك هو نفسه الوقت في المحطة والذي تشير اليه ساعة المحطة. بعبارة اخرى: t0=t.
وهذان الصيغتان x0 و t0 والتي اول من حددهما هو العالم الايطالي الشهير غاليلو, هي نوع من انواع المعادلات التي تسمى بالتحولات, لانها تحول الكميات من اطار مرجعي الى اخر. ووفقا لنظرية نيوتن الكلاسيكية فانه يمكن للمرء ان يتوقع سرعة الضوء من خلال اتباع التحولات للصيغ x0 و t0.
في القرن السابع عشر ادرك العلماء ان الضوء له سرعة. وقيمته التقريبية تم قياسها من قبل الفلكي الدنماركي اوول رومر (Ole Christensen Rømer) عام 1676. حيث استنتج بعد ابحاث فلكية ومراقبة لبعض الكواكب ان سرعة الضوء تقريبا 200000 كم في الثانية. ولكن في عام 1881 تمكن الفيزيائي الامريكي البرت مايكلسون (ِAlbert Michelson) من تحديد اكثر دقة لسرعة الضوء. حيث توصل الى ان الضوء يقطع مسافة 299792 كم في الفراغ كل ثانية .
كما اكتشف مايكلسون ان انتقال الضوء يختلف كثيرا عن انتقال الصوت. وخلافا لمراقبتنا للقطار المتسارع فان مايكلسون توصل ايضا الى ان اتجاه الضوء لا يؤثر ابدا في سرعته. وهذه نتيجة متناقضة تحتاج الى تفسير.
والعلاقة ما بين الوقت والمسافة عندما يتحرك اطار مرجعي بسرعة ثابته بالنسبة الى اطار اخر يمكن التحكم فيها من خلال معادلات لورنتز في الرياضيات, او بالاحرى تحويلات لورنتز:
حيث ان:
x, y, z احداثيات المكان.
وما يدعى معامل لورنتز:
حيث ان v هي سرعة الجسم. و c سرعة الضوء.
اينشتاين عالج اكتشافات مايكلسون الخاصة بسرعة الضوء على انها فرضية:
"سرعة الضوء لها نفس القيمة لجميع المراقبين بغض النظر عن الاتجاه".
فاذا ما كنت تحمل مصباحا وقمت باشعاله مباشرة عند الاطار المرجعي في محطة القطار ووجهته بنفس اتجاه حركة القطار فانك ستتمكن من قياس سرعة الضوء على انه c. وبحسب فرضية اينشتاين فانه لو كان هناك شخص ما في المحطة فان ذلك الشخص سيتمكن من قياس سرعة الضوء الصادر من مصباحك على انها c, وليست (c+120 كم في الساعة). اينشتاين اعتمد ايضا مبدأ اخرا:
"الاطار المرجعي يتحرك بسرعة ثابتة بالنسبة الى اطار مرجعي اخر".
وفي عام 1905 تألق نجم اينشتاين واصبح اسما صعبا في عالم الفيزياء عندما استطاع اثبات فرضياته. بل واكثر من ذلك, فقد تمكن من اثبات ان الموجات الصوتية تتحرك في الوسط كنوع من الاهتزازات لدى الجزئيات والتي تكون حاملة للصوت. فيزيائيون اخرون افترضوا ايضا انه حتى الضوء بحاجة الى وسط للسفر والانتقال, ولكن لم يستطيعوا معرفة ما هو ذلك الوسط, لذلك اطلقوا عليه اسم الاثير المضئ.
لم ير اينشتاين اي حاجة الى افتراض وجود الاثير المضئ لانتقال الضوء. بدلا من ذلك استمد اينشتاين من خلال تحويلات ومعامل لورنتز ليصل الى ان الطاقة في الجسيم E يمكن الوصول اليها من خلال:
وبالنسبة الى الطاقة في جسم ما في حالة سكون (v=0 و a=0) يؤدي ذلك الى المعادلة التالية:
كلا من لورنتز واينشتاين كانا قد حصلا على جائزة نوبل للفيزياء. حيث تم تكريم لورنتز بهذه الجائزة عام 1912, ولكن كان على اينشاتين ان ينتظر الى العام 1921 لينال نصيبه من هذه الجائزة, والتي نالها بسبب جهوده في مجال الظاهرة الكهروضوئية.
اذا ما راقبنا قطار بطئ الحركة فان الفرق ما بين نظرية اينشاتين النسبية وبين نظرية نيوتن جدا ضئيل. ففي هذه الحالة فان سرعة القطار v جدا ضئيلة بالنسبة الى سرعة الضوء c (حيث ان معامل لورنتز يساوي 1). وفي هذه الحالة فان تحويلات معادلات لورنتز هي نفسها تحويلات غاليلو الكلاسيكية. وذلك يعني انه عندما تكون سرعة القطار ضئيلة جدا فان اينشتاين سيكون متفق مع نيوتن. اذ ان السرعة والمسافة يجب ان تكون جدا كبيرة حتى يكون هناك فرق ملحوظ ما بين نظرتي الرجلين. وحتى الان لم يستطع اسرع قطار في العالم الى بلوغ تلك السرعة المطلوبة التي ترغمنا على التخلي عن نظرية نيوتن والتحول الى اينشاتين. ولكن الرحلات الفضائية تمكنت من جعلنا مرغمين على اتباع اينشتاين.
وبعد عشر سنوات من نشره النظرية النسبية الخاصة, اي عام 1915, عاد اينشتاين مرة اخرى الى الاضواء مع النظرية النسبية العامة. حيث ادعى اينشاتين ان الاطر المرجعية يمكن ان تتسارع بالنسبة لبعضها البعض, ويمكن ربط الاثار المترتبة نتيجة التسارع مع تلك الناتجة عن الجاذبية.
وباستخدام النظرية النسبية العامة نجح اينشتاين في شرح بعض الظواهر الفيزيائية مثل انحناء الضوء بسبب الجاذبية من الاجسام الكبيرة مثل الشمس. كما فسرت النظرية النسبية العامة السبب وراء كون كوكب عطارد وعند اقترابه من الشمس يتحرك بشكل ابعد في كل مرة يدور حولها. حيث عجزت نظريات نيوتن حول الجاذبية والقوة من تفسير هذه الظاهرة الكونية للكوكب عطارد.
والاطار المناسب للنظرية النسبية العامة هو الذي الزومكان الرباعي الابعاد. حيث ان الفضاء الاقليدي مسطح (له انحناء صفري), بينما الزومكان الرباعي الابعاد منحني الشكل يتداخل مع الجاذبية النيوتونية كشرح لماذا تجذب الاشياء بعضها البعض. فان نظرية اينشتاين العامة هي انحناء الزمكان الذي يفسر هذا الجذب.