قصة حلى ومنة.....
تاليف سمية الدعمي
( حلى ومنة )
قد تكون قصة من نسج الخيال ولكن احداثها تؤكد ان مثل هذه الجرائم واردة حتى يومنا هذا وبظروف ممكن ان تكون مشابهة لظروف (حلى ومنة)... والله المستعان على ما يصفون.
حلة ومنة طفلتان بعمر الزهور تشعان براءةً وجمالاً تبلغ الواحدة منهن (10) سنوات وهي الطفلة الجميلة (حلى) اما (منة) فتبلع من العمر (8) سنوات وهي البنت الدلوعة والشقية لأبيها، يعيشان في كنف عائلة سعيدة مع أب وأم متوادان ومتحابان، تملآن البيت ضحِكاً ولعباً، قهقهتما تشبه تغريد الطيور والعصافير الجميلة... ولكن، شاءت الأقدار ان لا يكون لهذا الدفء العائلي مكاناً بحياتهما... نعم شبح الموت قد زار هذا البيت وسلب منه ما كان كالخيمة تحميه من شرور الايام ونوائب الدهر وتقلباته ... انه الأب الذي كان يحيط البيت بحنانه وعطفه والذي اغرق ابنتاه بكل معنى الحب والاهتمام... بعد ان اصيب بمرض قلبي مفاجئ لم يكن لاحد منهم ان يعرف علته... فقد اخفى هذا الاب الحنون والزوج الكريم على أحبته ومحبيه آلامه وحزنه كي لا يسلب من هذا البيت دفء سعادته وجماله وضحكات وقهقهات فلذات اكباده (حلى ومنة).
وساد الظلام والحزن واليأس على هذا المنزل الصغير... وأخذت سمات الوحدة والتوحد ترتسم على وجوه كل من في البيت... وبدأت الأم رحلتها في مواجهة ظروف الحياة وتقلبات الايام لحالها... وأخذت الأيام والليالي تسير بهم وهي مثقلة بالهموم والأوجاع... وأخذت الأفكار حينها تتقلب برأس الأم... كيف لها ان تواجه الحياة ومصاعبها دون معين؟ كيف لها ان تربي هاتين الطفلتين البريئتين لحالها دون وجود من يكون المعيل والمرشد لهما بعد وفاة والدهما؟ كيف لها ان تنام وتصحى ولا يوجد الى جنبها رجل يشاركها هموم الحياة ونوائبها؟
وكانت نتيجة هذه الافكار التي تقلبت برأس أم (منة وحلى) الزواج برجلٍ ما... نعم، فقط رجلٍ ما، يرضى بوضعها الحالي مع وجود ابنتيها دون الالتفات الى شخصيته وكيانه ومؤهلاته...ظناً منها انها بتحقيقها لهذا الخيار سيملأ حيزاً كبيراً من حياتها وحياة ابنتيها... لقد كان (مهيب) وهو الزوج الحالي لوالدتهما، رجل ضخم الجثة ذو ملامح خشنة وقاسية وصوت جهور ومرعب كاننوا يدعونه (بزير النساء) ليس لديه ما يسد به رمق عيشه ولا مكاناً يؤويه ولا عملاً يقتات به فوجد من زواجه وارتباطه من أم (منة وحلى) فرصة ذهبية له... وبدأت الايام حينها تمر لتكشف عن سوء اختيار الام حيث بدت اخلاقيات وسلوكيات هذا الرجل تزداد سوءاً يوماً بعد آخر... فقد كان يقضي الليل كله في شرب المحرم وفعل المحارم، وكان كثيراً ما يضرب الام ويهينها ويدميها امام طفلتيها... وما كان لهما ان يفعلا شيئاً سوى البكاء والصراخ والتوسل له بتركها....ولكن لم تقف دناءته... كلا، بل وصلت دناءته الى محاولته لاكثر من مرة بالتحرش بالفتاتين دون علم والدتهما... وتهديدهما بالقتل او التشويه في حال اخبرن أمهما بذلك... الى ان بلغت الفتاتين من العمر ما يستطعن به الدفاع عن نفسهما... فأكملن دراستهن، واتقنّ فن الموسيقى ببراعة... نعم فقد اصبحت كلاً من (حلى ومنة) موسيقيتان رائعتان تطربان العالم بأرق واجمل النغمات... ومرت الايام على هذه الحال... وأحبت (حلى) رجلاً قد واعدها بالزواج وبناء عش الزوجية معها ورسمت وتأملت وخططت لأحلامها معه... و (منة) ايضاً عشقت رجلاً واي رجل ... يالة سوء الاقدار، انه الرجل نفسه الذي واعد واحب (حلى) وافصح لها عن مشاعره تجاهها... بنفس النغمة وبنفس الحيلة التي اتبعها مع أختها البريئة (منة)... ولم تكن الاختان لسوء الحظ تعلمان ثعلبة ومكر وحيلة هذا الرجل... ولكن درب الليالي والايام من شأنها ان تزيح الاقنعة من على وجوهٍ لطالما أدعت البراءة والجمال وفعل الخير... فبزيارة مفاجئة لمنزله قامت بها (حلى)، حاملة معها هدية بسيطة تعبيراً منها عن مدى حبها وتعلقها به... لكنه لم يكن هناك، فدخلت المطبخ لتعد له عشاءً بسيطاً، وزينت المائدة لاستقباله بالشموع وبباقات من ورود النرجس والياسمين لتفوح منهما رائحة جميلة... واخذت حينها تنتظره بفارغ الصبر، واخذت تتململ من انتظاره، ودخلت الى غرف منزله لتعاينه، وبالصدفة فتحت درج ملابسه الخاص، واخذت تفتش فيه وتتطلع على ما فيه، وفجأة... وقع تحت يديها ظرف مليء بالصور ، فتحته و ياليتها لم تفتحه ، فقد رأت بداخل الظرف صوراً لها ولأختها (منة) تؤكد على وجود علاقة حميمية بينهما كالعلاقة بينها وبينه، جنت ورمت الصور واخذت تكسر وترمي ما وقع تحت يديها...وذهبت مسرعة غاضبة الى اختها ، حيث كانت تتدرب على مقاطع موسيقية معينة... فوقفت حلى بوجهها غاضبة، واستغربت منة من موقف اختها وسألتها عن سبب غضبها ونظراتها هذه، وما كان من (حلى) الا ان رمت الصور بوجهها.... وقالت لها: هذا الذي يغضبني منكِ... واخذت منة تقلب بالصور وسقطت جاثية على ركبتيها من شدة الصدمة... وقالت: ايعقل ان يصدر من (احمد) كل هذا الشيء ايعقل ان يكون قد كذِب علي بعد كل هذه السنوات... يالا دناءته ولم تتحمل حينها (منة) هذا الخبر لتبكي وتنوح بمشاعر ممزوجة بالحزن والغضب والندم... تأثرت (حلى) مما رأته من اختها واحست حينها بأنها قد ساءت الظن بها... وانهما لم يكونا سوى ضحية من ضحايا هذا الرجل العديم الضمير الذي اراد بفعلته هذه سوى ارضاء غروره وكبريائه... فأمسكت حلى بيدي اختها بحنان لتشدها اليها وقالت لها بعزم وقوة: عليكِ ان تكوني قوية ولا تجعلي دموعك الغالية تسقط بسبب شخص لا يستحق حتى النظر اليه ، علينا الانتقام منه، ونجعله يندم على فعلته... في حالة غضب وحقد قررت كلاً من (حلى ومنة) القضاء عليه بشكل نهائي وقتله تماما دون اي شفقة او رحمة، فقررن ترتيب موعد للقائه، فاتصلت (حلى) كعادتها به وطلبت ترتيب موعداً للقائهِ وبأسرع وقت وبمنزله، لكنه تردد قليلاً وبعدها جاء الى المنزل، ليجد ما لم يتوقعه... فقد كانت (حلى ومنة) بانتظاره وبنظرات تتطاير منهن شرارة الغضب والحقد، لم يكن يفعل من تأثير الصدمة سوى ان يتمتم بكلام غير مفهوم، فأخرجت حينها (حلى) سلسلة ذهبية كان قد اهداها اليها والدها في عيد ميلادها الحادي عشر لتلفها على رقبته وتشده اليه محاولاً التخلص منها ولكن حقد حلى وغضبها تغلب على مقاومته لها وكانت حينها (منة) تحاول منع اظهار صوته لتضع يديها على فمه، دون ان تأخذهما به اي رأفة اوشفقة، ليلفظ حينها انفاسه الاخيرة الى الابد، وذهبن بعدها الى المنزل ليتعهدن لانفسهن بأن يكون مصير كل شخص يحاول أذيتهما هو الانتقام والقتل.
فكان لهما ان يعودا الى المنزل ليجدن امامهن شخصاً لطالما انتظرن الفرصة السانحة والقوة الدافعة للإنتقام منه وقتله الاوهو زوج امهما (مهيب) وهو في حالة مزرية من الشرب والسكر، حيث لازالت عيونه القذرة تلاحقهما اينما ذهبن خاصةً بعد ان اصبحن شابتين جميلتين، فأخذ التقرب من (منة) وهو في حالة سكر تصدر منه رائحة كريهة، لتجد حينها الأختان الفرصة المناسبة للقضاء عليه، فأخذت (منة) قنينة من قناني شربه لتكسر حافته وغرزها في رقبته وتأتي حينها (حلى) بسكين كبير لتطعنه عدة طعنات بقلبه دون ان تاخذها الرحمة والشفقة، رأت (منة) ما رأت من المنظر المريع لتسقط على الارض من شدة الهول والدماء تتساقط وتتناثر عليها تصرخ باكية ونائحة ليسمع الجيران صراخها وبكاءها وعند دخولهم رأوا حينها منظرا مرعباً ليجدوا رجلاً ممداً على الارض والدماء تغطيه من كل اتجاه وحلى تمسك السكين بيدها وهي في حالة صدمة وذهول، وتم تبليغ الشرطة ليلقي القبض عليهما وزجهما بالسجن ليحكم عليهما بالإعدام شنقاً حتى الموت، لتكون هذه هي نهاية رحلتهما الموجعة بعد ان كانتا من ارق واجمل النساء اللتان تطربان الناس بأجمل الالحان والنغمات، واصبح هذا البيت خالياً بعد هذه الفاجعة وتم غلقه من قبل الجهات الحكومية بعد ان أصابت الأم بأنهيار عصبي لتزج في مصح للامراض العقلية والنفسية، لتنال جزاء سوء اختيارها وإهمالها لبنتيها.
أيعقل لمساوئ الحياة ومتاعبها ومصاعبها ان تخلق من هاتين الشابتين الجميلتين نفوس حائرة وقاتلة...وكأن القتل وإسالة الدماء اصبح من شيمهما... نعم كانت هذه هي نهاية قصة (حلى ومنة).
تأليف
سمية الدعمي