من أين أتى غلاف الأرض الجوي؟
في أول 2 مليار عام من تاريخ الأرض كان الجو خانقًا، ومن ثم بدأ الغلاف الجوي يزدهر بالأكسجين بشكل غامض.
من الصعب الحفاظ على جزيئات الأكسجين في جميع الأنحاء، على الرغم من حقيقة أنه العنصر الثالث الأكثر وفرة في الكون، حيث تشكّل في باطن النجوم فائقة الحرارة والكثافة.
ونظرًا لكون الأكسجين يميل إلى أن يتفاعل، فإنه يمكن أن يشكل مركبات مع كل عنصر في الجدول الدوري تقريبًا.
إذًا كيف انتهت الأرض بغلاف جوي يتألف من 21% من الأكسجين؟
يعتقد العلماء كانت هنالك كائنات دقيقة تعرف باسم البكتيريا الزرقاء (cyanobacteria) أو الطحالب الزرقاء المخضرة (blue-green algae)، تقوم هذه الكائنات بعملية التمثيل الضوئي باستخدام أشعة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الكربوهيدرات والأكسجين.
في الواقع، جميع النباتات على الأرض تتضمن البكتيريا الزرقاء التكافلية المعروفة باسم الكلوروبلاست (chloroplasts) للقيام بعملية التمثيل الضوئي حتى يومنا هذا.
الآن، يحاول فريق من علماء الغلاف الجوي معرفة لماذا ساهم تطور البكتيريا في تغيير نسب الغازات في الغلاف الجوي للأرض مما أدى إلى فقدان الميثان وارتفاع مستويات الأكسجين في نهاية المطاف.
في الحقيقة لم ترتفع مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي حتى الـ 400 مليون عام الأخيرة، بعد تكوّن البكتيريا المنتجة للأكسجين.
وعليه يجب أن تأخذ النظريات حول أصل الأكسجين في الأرض هذه الفجوة في نظر الاعتبار.
حتى وقت قريب، أعلنت النظرية الرائدة أن الغازات البركانية قد غيّرت من مكوناتها خلال تلك الفترة، وبالتالي قلّ استهلاك الأكسجين في تفاعلات الغلاف الجوي، لكن الأدلة الأخيرة من سجل الصخور قد أضعفت هذه الفكرة.
يأتي الآن سيناريو مختلف، وهو أن العامل الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تطور الغلاف الجوي للأرض هو البكتيريا التي تبعث الميثان عندما تحلل الكائنات الميتة.
ويقترح عالم الكواكب ديفيد كاتلينغ (David Catling) وزملاؤه في مركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا، أن الميثان قد ارتفع إلى الغلاف الجوي العلوي، حيث يقوم ضوء الشمس بتحليله إلى كربون وهيدروجين.
الهيدروجين أخف من هذه العناصر؛ لذلك تطاير إلى الفضاء الخارجي.
إن فقدان الهيدروجين بدوره يخل توازن العناصر مرة أخرى على الأرض وبعد 400 مليون سنة أُنتج الأكسجين بوفرة.
يقول كاتلينغ وزملاؤه: «في البداية امتصت القشرة القارية الأكسجين الإضافي، ثم وصلت الأرض إلى نقطة حرجة قبل 2.3 مليار عام عندما تصاعدت الأدخنة عند انضغاط وتشوّه الصخور القشرية بحيث لم تعد قادرة على امتصاص الأكسجين الذي تنتجه البكتيريا، عندئذٍ بدأ الأكسجين الإضافي يتراكم وصولًا إلى الغلاف الجوي الحديث».
ويقول عالم الغلاف الجوي جيمس كاستينغ (James Kasting) من جامعة ولاية بنسلفانيا، جامعة بارك: «إن الباحثين يقدمون إثباتًا جيدًا للنظرية الجديدة»، لكنه يقول إن الحجة ستكون أكثر إقناعًا إذا أوضحت لماذا امتصت القشرة الأكسجين الزائد الناتج عن هروب الهيدروجين.
الأهم من ذلك، كيف وصلت كمية الأكسجين الجوي إلى مستواها الحالي؟
يقول كاستينغ: «ليس من السهل جدًا تحقيق التوازن في 21% بدلًا من 10% أو 40%.
نحن لا نفهم نظام التحكم بالأكسجين الحديث بشكل جيد».
لقد لعب المناخ والبراكين والصفائح التكتونية دورًا رئيسيًا في تنظيم مستوى الأكسجين خلال فترات زمنية مختلفة.
ومع ذلك، لم يقم أي أحد باختبار الصخور الصلبة لتحديد محتوى الأكسجين الدقيق للغلاف الجوي في أي وقت من زمن السجل الجيولوجي.
ولكن هناك شيء واحد واضح -أصول الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض مستمدة من شيء واحد وهو: الحياة.