TODAY - 12 August, 2010
درجة حرارة لا يحتملها الفن
متحف الفن الحديث بالعراق.. قاعة واحدة واللوحات على الأرض
عبدالجبار العتابي
يسمى (المتحف الوطني للفن الحديث)!!، ومكانه مدينة بغداد، وهو لا علاقة له بالمتاحف الفنية ولا اي نوع من المتاحف، حيث انه مجرد قاعة كبيرة بعض الشيء، لا تتوفر فيها ابسط ما يحتاجه الفن واللوحات وما الى ذلك من اشكال فنية وجميعها تتراكم في المساحة، بل انه يكاد يسخر من نفسه حينما تشعر ان العرق يتصبب من الشخوص الذين في اللوحات او تراهم في لحظة تأمل وكأنهم يريدون الهروب من سطح اللوحات الى الفضاء عسى ان يتنفسوا هواء منعشا، والطريف انني كنت اعتقد وانا على الطريق اليه سأجد ملامح المتاحف وزينتها وبهجتها وعنفوانها وكبرياءها، وتخيلت انني سأجد صورا للفنانين العراقيين على اختلاف مدارسهم واجيالهم، ولكن.. ما تخليته كان مجرد هواء في شبك، فالمنظر العام مؤلم ويدعو الى الرثاء، فالبناية الكبيرة التي كانت مركزا للفنون شغلتها وزارة الثقافة، فيما تجمع المركز كله في هذه القاعة التي يمكن القول ليس لها وجود في ذاكرة الوزارة ولا يعرفها سوى عدد من الفنانين وطلاب الدراسات العليا، ام المواطن العادي فلن تطأها قدماه.
وربما.. تستغرب حين تعلم ان اللوحات الموجودة في المخازن وعلى سطح المتحف الان اكثر من 1300 لوحة، من بين اكثر من ثمانية الاف لوحة سرقت!!، وفي جولتنا حاولنا التعرف على (المتحف) وما له وما عليه من خلال اللقاء بالفنان سلام عطا صبري مدير المتحف الذي ابتدأ حديثه عما في القاعة من لوحات وعن اللوحات التي تمت استعادتها قائلا: هذا المتحف يضم نخبة من اللوحات الفنية لرواد الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق بدء من اعمال الفنان الراحل عبد القادر الرسام الذي ولد عام 1882 وتوفي عام 1952 ولوحاته عمرها ما بين 111 سنة و108 سنوات، وزملاء الرسام الى جيل جمعية اصدقاء الفن التي اسسها الرسام ورواد الفن عام 1940 – 1941، ونبدأ بمجموعة الاربعة الرواد الذين هم اول من درس في اوربا، واولهم الفنان الراحل اكرم شكري، البعثة عام 1930 بعدها الاستاذ فائق حسن جدار كامل له وتشاهدون اهم اعماله التخطيطية والزيتية، الى المرحلة الاخيرة وجولته في الولايات المتحدة عام 1964 – 1965، لوحة تل اسمر ولوحات تجريدية في تلك المرحلة، بعدها لوحات الاستاذ حافظ الدروبي وهو من اهم الفنانين الانطباعيين ويشرفني ان يكون والدي الفنان عطا صبري زميل الفنان الدروبي، فالاثنان درسا في الثلاثينيات في الاكاديمية الايطالية في روما ودرسا من 1946 – 1950 في جامعة لندن كلية سليد للفنون ويشرفنا في وسط المتحف ان تكون شجرة عائلة الحاج محمد سليم الموصلي والد الفنان الكبير جواد سليم وتتصدر الصور الفوتوغرافية للمرحوم جواد ونصب الحرية ولوحة زينية رسمها لزوجته (لورنا سليم) اثناء دراستهما في لندن عام 1949، ونحن سعداد بأستعادة 12 لوحة بجهود معالي وزير الثقافة ووكيل الوزير الاستاذ طاهر حمود، تمت استعادتها من المواطنين، وهذه اللوحات مهمة جدا كونها لورنا سليم عام 1962 لوحة (الفلكة) وهي بعد سنة من وفاة زوجها الفنان جواد سليم، ولوحة للاستاذة المرحومة نزيهة سليم عام 1977 عن الاهوار، ولوحة الفنان خضير الشكرجي والفنان عبد الرزاق ياسر والرائد الكبير نوري الراوي لوحة (راوة – 1980) وايضا فرحة كبيرة لفنان عالمي كوبي هو لويس ميغيل مؤسس كلية الفنون في هافانا تمت استعادة لوحته.
* كم عدد اللوحات التي فقدت؟
- اكثر من ثمانية الاف لوحة زيتية وكرافيك ونحت وسيراميك، سرقت في احداث عام 2003، والذي تم استعادته بحدود مئة عمل الى حد الان، ومعالي وزير الثقافة وجه دعوة الى كل المواطنين بدون ان تكون هناك اية مساءلة قانونية اذا ما سلم المواطن اللوحات طوعيا، وسوف يوجه له كتاب شكر.
* من يعيد اللوحات.. هل من الممكن ان تمنحوه مكافأة وهو تشجيع للاخرين؟
- هذه اجهل تفاصيلها، وهذه صلاحية السيد الوزير والوكيل، نحن ما عندنا، خمسون فلسا الان ما عندي، هناك ملاحظة وهي الا اذا كانت المجموعة شخصية مقتناة، او كورث، اما اذا كانت اللوحة في ظهرها مثبت شعر المتحف وكان سابقا ( م ص) اي (مركز صدام للفنون) الان مركز بغداد للفنون الذي هو المتحف الوطني للفن الحديث، العلامة الدالة للمواطن عندما يشاهد انها متحفية او اي رقم متحفي على الاقل عليه ان يصورها ويسألنا اذا ما كانت متحفية او لا، اذا كانت متحفية فأتفاقية اليونسكو لعام 1970 وكل الاتفاقيات الدولية والقانون العراقي تشير الى ان المواطن يجب ان يقدمها، في المتحف هناك لجنة فنية مخولة بهدية كمكافأة.
* الم تحاولوا مخاطبة الجهات العالمية لاسترجاع المسروق؟
- التقرير الاخير بالفيديوالذي نشرته جريدة نيويورك تايمز عندما شرفتنا، وهي مشكورة على ذلك، مع مقالة كانت دعوة لكل متاحف العالم لمشاهدة الفيديو وللاطلاع عليه وطلبنا ارجاع الاعمال المفقودة عن طريق جريدة نيويورك تايمز وكل وسائل الاعلام.
* هل تشعر ان هناك اصداء طيبة حول مسألة اعادة الاعمال الفنية المسروقة؟
- احس بداية مشجعة ودعما من وكيل الوزارة طاهر الحمود والمدير العام للفنون التشكيلية، لان المتحف العراقي للاثار شاء القدر ان يأخذ حجمه من الدعاية ونحن فرحون بهذا الدعم الحكومي والعالمي، الان جاء دور متحف الرواد، هذا متحف يسجل تاريخ الشعب العراقي، تاريخه السياسي والاجتماعي، فيستحق متحفنا الرعاية، يستحق مبنى، نتمنى ونحلم كفنانين، والفنانون يحلمون دائما، ان نحصل على مبنى مهيىء ان يكون متحفا بدرجات الحرارة ومكيف واجهزة تسيطر على الرطوبة والحرارة لان هذه الاعمال الان تعاني من خطورة درجات الحرارة وحتى السقوف والجدران ليست بمتحف، نتمنى ونحلم بأنه في يوم ما ان يتم تخصيص مبنى واتوجه الى الحكومة العراقية بهذا التمني اولا.
* ما المكان المناسب برأيك لمثل هذا المتحف؟
- انا برأيي المتواضع ان ضفاف نهر دجلة هو المكان المناسب، كل متاحف العالم من متحف (التيت ميوزيم) في لندن الى متحف الفن العربي والفن الاسلامي في الدوحة، اما هو في وسط البحر او قرب البحر، فالطبيعة جزء من المتحف، فأتمنى ان يكون المتحف على ضفاف نهر دجلة، ولكن ان يكون متحفا بمعنى الكلمة، حسب الشروط العالمية ووفق نظام المجلس العالمي للمتاحف لان هذها المتحف من 111 سنة لابد ان يكون مهيئا الى جانب مختبرات علمية وفنية للترميم والصيانة وهذا الجانب الذي نعاني منه ان اغلب الاعمال الموجودة تحتاج الى ترميم وصيانة، فنحتاج الى نجدة ودعم من المتاحف العالمية لحفظ ما تبقى.
* اين تخزنون الاعمال خارج اطار هذه القاعة / المتحف؟
- في مخزن طبعا، ولكن المخزن فيه اجهزة تكييف ولكن.. بلا كهرباء، وهذه الاعمال في خطر من الخزن في درجات حراة عالية حيث ان درجة الحرارة فوق 50 سيتلف القماش والكرافيك وكل الاعمال الفنية الموجودة، وبصراحة نحتاج الى متحف، ليس شرطا ان نبني متحفا جديدا ولكن من الممكن تأهيل مبنى تخصصه رئاسة الوزراء في بغداد ويؤهل من شركة عالمية متخصصة بالمتحاف وباشراف وزارة الثقافة ودائرة الفنون.
* كم يحوي المخزن من اعمال؟
- في المخزن نحو الف لوحة واغلبها للرواد، الخوف من الحرارة، الخطر من مرور الزمن، وحتى هذه اللوحات التي هي داخل القاعة طالما الجدران هكذا فهي في خطر، فالجدران في المتاحف العالمية مبطنة واجهزة التكييف تشتغل على مدى 24 ساعة وهناك اجهزة للحفاظ على الرطوبة والحرارة.
* من يتحمل مسؤولية في ما يحدث لهذه الثروة الفنية؟
- انا اتحملها حاليا لانها في ذمتي.
* اقصد من يتحمل مسؤولية عدم وجود الشروط المناسبة للخزن؟
- بدء من وزارة الثقافة التي ميزانيتها لا تستطيع ان تغطي، نتمنى من رئيس الوزراء الى رئيس الجمهورية تخصيص مبلغ من ميزانية الدولة لهذا المتحف، لان كل متاحف العالم ذات هيئة شخصية مستقلة ماديا وفنيا ومعنويا.
- لماذا لم تطالبوا بأحد قصور الئاسية المتروكة حاليا لتكون متحفا؟
- حاول المدير العام كل المحاولات ولا يزال يخاطب وكذلك وزير الثقافة ولكن هذا اعلى من هذا المستوى، انه تحتاج الى تخصيص مبنى زائدا مبلغ وشركة عالمية وأؤكد على شركة عالمية.
* ما حاولت جمع الفنانين والمطالبة بصوت واحد؟
- هذه امنية كل الفنانين، اتمنى.. اتمنى من نقابة الفنانين وجمعية التشكيليين ومنظمات عالمية كاليونسكو، ان تطلب النجدة لهذه الاعمال، وكيف نسارع الى ترميمها، من الممكن اخذ مجموعة من هذه الاعمال النادرة بوفد رسمي من وزارتي الخارجية والثقافة وتسليمها الى متحف عالمي لترميمها وارجاعها، الخطوة الاساسية هي البناء المخصص المخصص المؤهل، انا لا اطلب المستحيل، نحن نطلب بناء متواضعا يصلح ان يكون متحفا.
* أليس هذا مركز في الاصل مركز للفنون، لماذا لا تطالبون به وتنتقل الوزارة الى بناية اخرى؟
- هذا الكلام من الممكن ان يقوم به الاعلام.
* هل هنالك نسبة معينة لزوار المتحف؟
- ليس هنالك من زوار من الجمهور، اولا لان المتحف اعلاميا، اذا ما ابالغ.. اقول انه منسي او مجهول الا من قبل بعض المثقفين والفنانين
والاعلاميين، وعندما اقول لك نريد بناء مستقلا سيكون هدف المتحف هو الجمهور، متحف بلا جمهور.. لانه المتحف هدف اعلامي توثيقي اصدار كتب اهم شيء اانا عاجزون عن اصدار دليل او كتاب عن المتحف ممثلا بهؤلاء الرواد والفنانين الكبار، وليس الرواد فقط، بل لدينا فنانون عالميون مثل الفنان فيصل لعيبي وضياء العزاوي اللذين هما مغتربان وسفرين للفن العراقي في لندن، نتمنى ان نتباهى بهؤلاء الاساتذة الكبار ويكون متحفا وتوجه دعوة للاساتذة ضياء العزاوي وفيصل لعيبي وصلاح جياد ونعمان هادي وكل الفناني المغتربين العالميين ان يأتوا ويقيموا معارض ويهدوا اعمالهم ويرجع وجه الفن التشكيلي العراقي بدل ان يكون مغتربا في دول الجوار والخليج، ان يرجع الى وطنه، وهذه امنية كلنا محلم بها، دعوة الفنان العراقي العالمي.. اتخيل ان ابسط شيء نقدمه لهم، لانهم خدموا وضحوا بما فيه الكفاية، وان شاء الله في مهرجان الواسطي الذي ستقيمه وزارة الثقافة في الشهر العاشر نتمنى دعوة فنانينا العالميين.
* متحف.. بلا جمهور، اليس هذا غريبا؟
- نعم.. لسبب بسيط هو ن المتحف لابد ان يكون مستقلا، المتحف العراقي للاثار الان مفتوح للجمهور، وحتى الاستعلامات والشرطة يرحبون بالجمهور.
* ما سر هذه اللوحات المعروضة على الارض؟
- نحن ليس لدينا قاعات، وليس من اصول اداب مهنة المتاحف والفنون ان تكون اللوحة على الارض، ولكن ليس عندي جدار وليست لدي قاعات.
* لماذا برأيك وجود خفوت في الحركة الفنية العراقية حاليا؟
- اولا هجرة الفنانين العراقيين العالميين، وبكل فخر هم ادوا رسالة وضحوا واثبتوا جدارة في كل العالم ولا يزالون، الجانب الاخر بعد احداث عام 2003 عدم توفر الامن جعل المواطن يبتعد عن قاعات العرض، كما ان قاعات العرض اغلقت ابوابها، الان رجع والحمد لله والشكر شيء من الامن، الان ليس دور وزارة الثقافة فقط بل دور الفنانين وجمعية التشكيليين التي هي الممثل الشرعي والاساسي منذ عام 1956 ولا تزال جمعية مستقلة وممثلة لكل الفنانين العراقيين في كل مكان، نتمنى ان تتضافر الجهود من اجل بناء ثقافة عراقية جديدة وان كانت تحتاج الى صبر والى زمن.