هو عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبد الله، رائد الجهاد الإسلامي ضدَّ الوجود الصليبي بالشام؛ وذلك بعد أن ظنَّ الجميع أنهم لن يخرجوا أبدًا من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يُقهرون, هو البطل العظيم عماد الدين زنكي، هو الملك المنصور عماد الدين قائد عسكري وحاكم مسلم، تركي الأصل، حكم أجزاءً من بلاد الشام وحارب الصليبيين، كان شديد الهيبة، عظيم السياسة، يحمي الضعفاء، ويخافه الأقوياء، عمر البلاد وكانت قبله خرابًا، وأشاع الأمن وقطع دابر اللصوص، وكان الناس في زمانه بأنعم عيش.

عماد الدين زنكي .. البطل ابن البطل
كان من النتائج الطيبة لاهتمام الوزير العظيم «نظام الملك» بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأَكْفَاء وأصحاب الديانة في المناصب المهمَّة والقيادية - أن سطع نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عالٍ من الكفاءة والمسئولية؛ وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام؛ من هؤلاء القائد «آق سنقر بن عبد الله التركي»، الملقَّب بقسيم الدولة، وكانت له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقي؛ حتى إنه قد جعله واليًا على حلب، وقد قُتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضدَّ الخارجين عليها، ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العاشرة من العمر؛ هو بطلنا الفذُّ ورائد الجهاد ضدَّ الصليبيين عماد الدين زنكي.

تولَّى الأمير كربوقا (كربوغا) أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي، وتعهَّده بالعناية والرعاية، وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، وترقَّى في سلك الجندية حتى صار مُقَدِّمَ عساكرَ مدينة واسط، ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة (517هـ= 1123م) في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضدَّ أحد الثوار الشيعة واسمه «دبيس بن صدفة»؛ وهذا ما جعل السلطان السلجوقي محمودًا يُرَقِّيه ليُصبح قائد شِحْنَة بغداد سنة 521 هـ، ويُعطيه لقب الأتابك؛ أي: مربِّي الأمير؛ ذلك لأنه توسَّم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.

من قيادة إلى ولاية
بعد أن أصبح عماد الدين زنكي قائدًا، حدث تغيُّر كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة؛ حيث تُوُفِّيَ أمير الموصل عز الدين مسعود، وحاول بعض المنتفعين تولية ولده الصغير مكانه، ولكنَّ قاضي الموصل بهاء الدين الشهرزوري ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوي وكُفْء للموصل، التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي الكثيف في سواحل الشام منذُ ثلاثين سنة، والذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية (أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس) في الشام، هذا غير سيطرة الصليبيين على أغلب بلاد الشام.

وبعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرَّر السلطان محمود أن يُسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكي، الذي لم يجد السلطانُ محمود أفضل منه لهذه المهمَّة، وكانت هذه الولاية سنة (521هـ= 1127م)، وكان هذا التاريخ إيذانًا بعهد جديد في الصراع ضد الصليبيين وفاتحة خير على الأُمَّة كلها.

الأوضاع على الجبهة الشامية
عندما تولَّى عماد الدين زنكي الموصل تسنَّى له أن يرى الأوضاع على الجهة الشامية عن قرب؛ حيث كانت الصورة قاتمةً؛ فالصليبيون قد احتلُّوا معظم سواحل الشام، وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرة السورية، أمَّا المدن والحصون التي تحت حُكم المسلمين فهي تُعانى من الفُرقة والاختلاف والتنافر، ورُبَّما التقاتُل فيما بينها، فكلُّ والٍ على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقلٌّ عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يَتَّقِي شرَّ الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم؛ خوفًا على ضياع ملكه وانهدام دنياه، مثل ما هو واقعٌ اليوم بين حُكَّام الدول الإسلامية, وهذا الخذلان من ولاة الأمصار يُسَهِّل على الصليبيين مهمَّتهم، وجعل وجودهم في الشام والبلاد الإسلامية يترسَّخ شيئًا فشيئًا.

أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريبًا كانت في حالة فوضى واضطراب؛ فالخلاف على أشُدِّه بين أمراء البيت السلجوقي بعضهم بعضًا، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقي والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشُدِّه، ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرَّر عماد الدين زنكي أخذ زمام المبادرة، والقيام بعملٍ لم يسبقه فيه أحدٌ، فوضع نُصب عينيه هدفًا عظيمًا طالما حَلَم المسلمون بتحقيقه، ولكن يتعدَّى نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرَّر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي.

عماد الدين زنكي وبناء القاعدة الصلبة
من البديهيات الأساسية في قتال أيِّ عدوٍّ وطرد أيِّ محتلٍّ وتحرير أيِّ أرضٍ أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدةً صُلبةً مجتمعةً؛ إذ كيف يُجاهد المسلمون بصفٍّ ضعيفٍ ممزَّقٍ؛ لذا كان أول ما سعى عماد الدين إلى تحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين؛ وذلك بتوحيد الجبهة الداخلية لسورية، وربما كانت هذه المهمَّة هي أصعب مرحلة في مراحل الانتصار.

بدأ عماد الدين زنكي بمدينة حلب المهمَّة في المنطقة الشمالية من بلاد الشام في غرَّة المحرم سنة 522هـ؛ أي بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل؛ وهذا ما يُوَضِّح أن هذا الرجل الفذَّ كان يملك خطَّة شاملة ورؤية واضحة مُعَدَّة سلفًا لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمُّه لمدينة حلب بالشيء السهل؛ فلقد ظلَّ محاصرًا لها عدَّة شهور قبل فتحها، وكان عليها بعض الطامعين المتغلِّبِينَ، ثم قام بعدها بضمِّ مدينة حماة في السنة التالية (523هـ= 1129م)، ثم ضمَّ مدينة سرجى ودارا، ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود؛ بل تورَّط فيها؛ وذلك لعدَّة سنوات، ثم عاد بعدها إلى هدفه الأسمى، فضمَّ عدَّة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور، وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة (528هـ= 1134م).

استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي؛ عدا ما كان بيد الصليبيين وفتح دمشق قلب الشام وحاضرته، وقد حاول زنكي ضمَّ دمشق سنة (529هـ= 1135م) ولكنه فشل، وبقيت خارج سلطته، وبقي يُخَطِّط ويُفَكِّر في كيفية الوصول إلى دمشق.

زنكي أسد الشام
بعد أن تمَّ لعماد الدين زنكي معظم ما أراد من تكوين القاعدة الصلبة، بدأ في العمل الحقيقي والجهاد الأصيل ضدَّ أعداء الأُمَّة المحتلِّين لمقدساتها، وكان الصليبيون قبل مجيء عماد الدين زنكي يُخَطِّطُون للاستيلاء على أرض الشام وسورية كلها، ثم مصر بعدها، فلمَّا جاء أسد الشام الجديد صار غاية سعيهم الحفاظ على ما تحت أيديهم.

ولما ازدادت قوَّة عماد الدين زنكي في حلب، وثقلت وطأته على الصليبيين في الشام، فكَّرُوا في الاستعانة بإمبراطور القسطنطينية عمانوئيل، ورغم الاختلاف المذهبي بينهم؛ فهم كاثوليك وهو أرثوذكسي، فإنهم في النهاية صليبيون فوافق عمانوئيل على نجدتهم.

أصبحت بلاد الشام في موقف حرج بالغ الخطورة؛ فإمبراطور بيزنطة عمانوئيل جاءها بجيوش جرارة سنة (532هـ= 1138م) واخترق آسيا الصغرى، ولم يقدر أحد من سلاجقة الروم على إيقافه، ودخل إلى سورية بعد أن استولى على مدينة بزاعة؛ وهي قريبة من حلب، فغدر بأهلها بعد أن أعطاهم الأمان؛ فقتلهم وسبى نساءهم، وهنا وقعت المنطقة بين مطرقة إمبراطور بيزنطة وسندان الصليبيين الفرنجة بالشام، وهنا برز رجل المهامِّ الصعبة.

فبعد نظر وتمعُّن في هذه النازلة العامَّة قرَّر عماد الدين زنكي العمل في اتجاهين:-
الاتجاه الأول: مناوشة إمبراطور بيزنطة بشنِّ حرب عصابات على معسكره باستخدام المجاهدين المتطوعين في الشام ضدَّ الأعداء بالكرِّ والفرِّ، وإظهار القوَّة والشجاعة، وإرسال رسائل تهديدٍ ووعيدٍ لهذا الإمبراطور؛ وهذا على الرغم من الفارق الضخم بين القوَّتين، وذلك من أجل إرهاب البيزنطيين ومنعهم من التقدُّم.

الاتجاه الثاني: إيقاع الخلاف بين البيزنطيين والفرنجة؛ فلقد كان عماد الدين زنكي من دواهي العصر ذكاءً وفطنةً وحدَّة بصيرة, فلقد استغلَّ الخلاف المذهبي بين الأرثوذكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة يُخَوِّفُوه من نكصان الفرنجة للعهود وأنهم يتربَّصُون به، فإن فارق مكانه الذي فيه «قلعة شيزر» بالقرب من حماة سيتخلَّفُون عن نصرته. ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة يُخَوِّفُهم من إمبراطور بيزنطة، ويقول لهم: «إنْ مَلَكَ بالشام حصنًا واحدًا ملك بلادكم جميعًا» (1).

ونجحت خطَّة عماد الدين زنكي؛ ووقع الخلاف بين الطرفين، وانسحب الإمبراطور من الشام، وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها؛ حيث غنمها جيش الشام، وحرَّرُوا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين، وعظمت هيبته في صدور الصليبيين, وأثبت للجميع أنه رجل المهامِّ الصعبة، وقد حاول بعدها فتح دمشق؛ ولكنه فشل لحصانتها وقوَّة حاكمها معين الدين أنر، فلم يستطع عماد الدين تحقيق حُلْمه في أهمِّ مدن الشرق.

فتح الرها
عندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتلَّ الصليبيون الرها، وأقاموا بها أول إمارة صليبية في منطقة الجزيرة السورية وذلك سنة (492هـ= 1099م). كان أميرها صليبيًّا اسمه «جوسلين»؛ ففهم من تحرُّكات عماد الدين زنكي أنه يُخَطِّط لفتح الرها، فعمد إلى تقوية دفاعاتها، والمبالغة في تحصينها، وظلَّ مقيمًا في الرها لا يُفارقها أبدًا؛ رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر على فراقهم من أجل الدفاع عن الرها.

كان عماد الدين زنكي يعرف قَدْر جوسلين ودهاءه وحُنْكَتَهُ؛ لذلك وضع خطَّة في غاية الذكاء؛ فهو كما يقولون: «لا يفلُّ الحديد إلَّا الحديد». فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية، التي تُسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر (جنوب تركيا الآن)، ولا تقبل الانضمام لصفِّ عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على جوسلين، الذي خفَّف من شدَّة التحصينات، وتراخى في دفاعاته، حتى إنَّه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بثَّ العيون التي تنقل له الأخبار ليلَ نهارَ, فلمَّا علم مغادرة جوسلين وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.

كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: «لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها». وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقيل الأمير للصبي: «ما أنت في هذا المقام؟». فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: «دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي» (2).

وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة، وفُتحت المدينة في 6 جُمَادَى الآخرة (سنة 539هـ=1144م), وكان لفتحها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم, وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.

أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة (542هـ= 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.

استشهاد عماد الدين زنكي
بعد الانتصار في الرها ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام -والذي بنَوْهُ في خمسين سنة- في خطر حقيقي في ظلِّ وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال، وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن من سورية، قَرَّرُوا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة، والأيدي القذرة التي لا تعمل إلَّا في الظلام.

فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير وتقليب فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين -بعد أن قبضوا الثمن- بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، ودُفن بصفين، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق.

وهكذا مات البطل وترجَّل الفارس وحطَّ الراكب بعد حياة طويلة كلّها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله, وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا, ووضع الأساس المتين لمَنْ جاء بعده, فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
واسمع ما قاله عنه المؤرِّخُون، قال ابن الأثير في وصفه: «كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة، لا يقدر القوى على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتَنَقُّل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكَّانًا، وكان أشجع خلق الله (3).

وقال عنه ابن كثير الدمشقي: «وقد كان زنكي من خيار الملوك، وأحسنهم سيرة وشكلاً، وكان شجاعًا مقدامًا حازمًا، خضعت له ملوك الأطراف، وكان من أشدِّ الناس غيرة على نساء الرعية، وأجود الملوك معاملة وأرفقهم بالعامة (4).

ولعلَّ أكثر ما تميَّز به عماد الدين زنكي عن قادة زمانه هو فهمه لحقيقة المشكلات التي تُعاني منها الأُمَّة الإسلامية، وإحساسه بالمسئولية تجاه أُمَّته، وإيثاره لمصلحتها على مصلحته الخاصَّة، وعمله بمقتضى ما يجب عليه وقتها؛ لذلك فاق ملوك زمانه وعلا ذِكْرُه عنهم، ويكفيه فخرًا أنه قد خلف وراءه بطلاً عظيمًا مثله وزيادة؛ هو نور الدين محمود.

وقد لقَّب الناس عماد الدين زنكي بالشهيد لحرصه على طلب الشهادة في كل لقاء مع الأعداء؛ حتى قَدَّرها المولى جل وعلا له في آخر السعي.

1- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/91.
2- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/131.
3- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/142.
4- ابن كثير: البداية والنهاية، 12/275.

- تامر بدر