فهد غريب الرويلي العنزي
الرياض - محمد جراح
فهد غريب الرويلي شاب سعودي، يبلغ من العمر 31 عاماً ضرب مثالاً حياً للتضحية بداية من موقفه مع صديقه، الذي كان ينوي التبرع له بكليته مروراً بالمستجدات التي طرأت عليه، ولم تثنه عن قراره. فهد قطع أكثر من ألف كيلومتر سراً دون أن يخبر والديه بأنه في رحلة إنسانية لإعادة البسمة إلى أجساد علا أنينها وضاقت بها الأسرّة البيضاء واعترى ملامحها الذبول من المرض، ولم يخبر أمه وأبيه حتى لا يقع تحت ضغوط تعوقه عن مشروعه النبيل، ربما لو أراد كاتب درامي أن يحول المشهد إلى الشاشة لاضطر إلى المبالغة ليقنعنا بحبكته، لكن هنا يروي ابن الجوف (شمال السعودية) قصته لـ"العربية.نت" كما عاشها دون مبالغة.
ويؤكد فهد الرويلي، الذي يعمل رئيساً لوحدة المطاحن في شركة المطاحن الثالثة بالجوف، في حديثه أن فكرة التبرع بكليته اشتعلت شرارتها في ذهنه قبل حوالي 3 أعوام، عندما قرر بشجاعة التبرع لصديقه إلا أن المنيّة سبقت كل شيء.
وقال: "كان أعز أصدقائي رحمه الله قررت التبرع له بكليتي وإنقاذه من الفشل الكلوي إلا أن الصدمة التي آلمتني أنه توفي قبل العملية بـ4 أيام وهذه إرادة الله". وأضاف: "حزنت حزناً شديداً سلب الفرح من داخلي لأيام، صدقي مع ذاتي دفعني للبحث في تويتر عن مرضى يحتاجون كلية، فأنا مؤمن والقرار الذي اتخذته لن يموت بداخلي بموت صديقي".
وتابع كلامه بنبرة رضا وسعادة: "فتحت كمبيوتري ودخلت حسابي في تويتر، ودخولي هذه المرة يختلف عن أي وقت بحثت فوجدت حساباً في تويتر ينقل معاناة أحد ذويه، تواصلت معه وأكدت له رغبتي الملحّة في التبرع، أعطيتهم معلوماتي كاملة وطلبت منهم التواصل معي".
وبين الرويلي أن "أبناء الشهراني" تواصلوا معه وأكدوا له أن مريضهم يحتاج زراعة عاجلة، فنسق معهم بالدخول إلى المستشفى لإجراء فحوصات التطابق. وكان متهيئاً لإجراء العملية يعد الليالي والأيام حتى أتت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان بأن أبلغهم المستشفى قبل العملية بشهر أن هناك عدم توافق في الأنسجة بينه وبين المريض.
وواصل حديثه: "كان الأمر محبطاً بالنسبة لي في البداية، إلا أننا وصلنا إلى حل أكمل به خطوتي، ومشروعي الذي اتخذته في البداية، فكان هناك اقتراح بأن يتم التبادل بيني وبين متبرع آخر، بحيث أنقل كليتي إلى مريض آخر لا أعرفه وهم يحصلون على متبرع آخر فوافقت على الفور".
وذكر الرويلي أنه تم إخباره بأن كليته ستمنح للفتاة مضاوي (13 عاماً) التي تتوافق معه طبياً دون عوائق فحثهم على تنفيذ العملية، وكان حسب حديثه متوكلاً على الله ويخشى أن تطرأ عوائق تحول دون ذلك.
وقال: "الحمد لله أجريت العملية، وبعد خروجي من المستشفى بـ5ـ أيام قمت بزيارة ذوي المريضة فكان في استقبالي أخوها ووالدتها اللذان رحبا بي بحرارة ودعيا لي بالسلامة وصلاح الذرية، وشكرنا الله جميعاً أن تمت الأمور ونجحت العملية".
سكت قليلاً.. ثم أكمل: "سألتهم عن والدها لماذا لا أراه؟، ففوجئت بأن الطفلة يتيمة، فعرفت أن الله أراد بي خيراً وأني أدخلت البهجة على قلبها وربما كان أجري مضاعفاً".
وعن ردة فعل والديه بعد أن أخبرهما بإقدامه على التبرع قال: "الحمد لله تعرف كل أب وأم يتمنون الحياة السعيدة لأبنائهم وكان من المحتمل لو عرفوا قبل العملية ما راح أتبرع ولكن الحمد لله كان إيمانهم قوي بالله فشكروني على هذا العمل الطيب"، مضيفاً: "عندما عرفوا أنها طفلة ويتيمة فرحوا كثيراً".
وأوضح فهد في نهاية قصته أن أكثر ما كان يخشاه هو صدمة والديه التي تلاشت بعد أن فهما منه الأمر وأنه يتمتع بصحة جيدة.
هذه التراجيديا الإنسانية أعادت إلى الأذهان حكاية ابنة (الجوف) الممرضة السعودية عبير عطالله العنزي، التي تداولت وسائل الإعلام في مثل هذا الشهر العام الماضي قصة تبرعها بكبدها لطفلة قرأت معاناتها في تويتر، ليعلو اسم مدينة الجوف مجدداً ليس في مهرجان الزيتون الذي تشتهر به بل بإيثار أبنائها الذين اتفقوا بأن الحياة بلا تضحيات تبدو شاحبة رتيبة ومملة.
http://ara.tv/9p69x