عش الزوجية لطيور التعريشة والإنتقاء الجنسي
طيور التعريشة Bowerbirds هذه الطيور تمتاز بأعشاشها المليئة بالأغراض والمقتنيات التي يقوم الذكور باقتنائها ووضعها في أعشاشهم في سبيل استقطاب الإناث واغرائهن على الزواج منهم. المثير للفضول في الموضوع أن الإناث يقمن بمعاينة الأشياء الموجودة ضمن العش وبناء على فحص دقيق لهذه المقتنيات نتخذ الأنثى قرارها إما بمشاركة الذكر عش الزوجية أو لا.
لكن قبل الخوض في تفاصيل هذه الظاهرة المثيرة للفضول يجب شرح بعض المفاهيم المهمة في توضيح الفكرة. التنوع الحيوي الحاصل في الطبيعة نتيجة لعملية تطور تحدث على عدة مستويات. الأغلبية قد سمعت عن التطور عبر الانتقاء الطبيعي وهذا التطور الحاصل على مستوى النوع ككل، لكن يوجد محركات آخرى للتطور تطرأ على النوع بهدف المنافسة الداخلية ضمن النوع للحصول على فرص أكبر للتكاثر والبقاء.
الأنواع تتنافس مع أنواع أخرى في الحصول على الموارد وتجنب الافتراس لكن ضمن النوع يوجد تنافس على من يستقطب شركاء أكثر بهدف التكاثر ونشر الجينات إلى الأجيال القادمة. أحد أنواع هذا التنافس نسميه التطور عبر الانتقاء الجنسي (يوجد أنواع أخرى من التطور مثل سباق التسلح ضمن النوع: من يعدو أسرع، ينجو من الافتراس الخ).
إذا التطور عبر الانتقاء الجنسي هو تغير يطرأ بهدف تعزيز فرص صاحبه في إنجاح عملية التكاثر. لا أريد أن أطيل بهذا الشق حول الانتقاء الجنسي إلا أنني أنصح بالقراءة عنه لفهم أليات انتقاء الشريك ذو الاستثمار الابوي الأكبر لميزات الشريك ذو الاستثمار الابوي الأصغر. الاستثمار الابوي هو كمية الموارد من وقت وغذاء وقيمة للخلايا الجنسية المستثمرة في إنجاح عملية التكاثر.
لدى أغلب الكائنات عادة تكون الأنثى صاحبة الاستثمار الأبوي الأكبر وبالتالي هي من تختار المواصفات التي تجدها تدل على أن شريكها سينقل جينات جيدة لأبنائها. مثلاً قدرة الطير على الزقزقة بصوت عالي يدل على أنه يمتلك صحة جيدة نوعاً ما وأنه خالي من الأمراض التي قد تحد من حظوظ أبنائها في الحصول على الغذاء والاستمرار عبر الأجيال.
انتقاء الإناث للذكور يجعل منها محرك في عملية التطور إذ ان الذكور الذين لا يمتلكون المواصفات التي تبحث عنها الإناث لا يستطيعون الاستمرار عبر الأجيال وبالتالي يتخفض عددهم في المجمع الجيني. طبعاً يوجد استثناءات بسبب ظهور ميزات تجعل من الذكور يتجاوزوا انتقاء الأنثى لهم وتتحول عملية الانتقاء إلى من هو الأقوى ضمن المجموعة.
في العودة إلى طيور التعريشة فإن إناث هذه الطيور تقوم بفحص قدرة الذكور على في أداء مهام العثور على الطعام من خلال زيارة تقوم بها لعش الزوجية الذي يبنيه لها الذكر. المقتنيات داخل العش من أوراق وأحجار وغيرها من الأشياء المهملة التي نجدها في الطبيعة تدل على تاريخ الذكر وقدراته الحياتية في الاعتناء بالصغار.
الذكور يقومون بسرقة مقتنيات بعضهم البعض وخصوصاً المقتنيات الزرقاء اللون (اللون المفضل لطائر التعريشة الساتاني لكن قد تختلف الألوان بين الأنواع العشرين لهذا الطائر) وذلك لتذليل فرص نجاح غيرهم في العثور على الشريكة ويكون وسيلة في عرض القوة والسيطرة على الذكور الآخرين.
عندما تزور الأنثى عش الزوجية الذي يبنيه الذكر هي تقوم بامتحان جيني للذكر لكي تتخذ القرار إما باستثمار بويضتها معه أم لا. هي لست مهتمة بحيواناته المنوية على قدر ما أنها تبحث عن شريك يساهم في تربية الصغار إلى أن يصلوا إلى عمر يسمح لهم في البقاء بمفردهم واستمرار سلسة الجينات عبر الأجيال.
المصدر ... علومي