قبّلي ما بين عينينا اعتذاراً يا سماء
قد حملنا منك مالا يُحتمل
إن من أثقل ما يحمله المرء الهواءْ
حين يحوي كلَّ ما تحوينَهُ
أنتِ لوحٌ حجريٌ كُتِبَتْ فيهِ وصايا المِّيتينْ
كاد يُمحى ما عليه من جُمَلْ
مِن توالي البرقِ والرعدِ على مَرِّ السنينْ
لم يدعْ إلا سطوراً معجماتٍ كخطوطٍ في جبينْ
أنتِ لوحٌ حجريٌّ من بهاء
أنتِ لوحٌ حجريٌّ من حنينْ
يُخضع الأعناقَ ما بين كتوف الحاملينْ
كلنا يحملُهُ
وهو لا يحملنا إلا قليلا
كلنا يحملُهُ
صفَّيْنِ تحت اللوحِ نمشي
نمنع الميزانَ منهُ أن يميلا
كلنا يحملهُ
صفَّيْنِ تحت اللوح نمشي
نَرْفَعُ الآن القتيلا
مثل قنديلٍ وددنا في السما تعليقَهُ, بدراً وأحلى
نظر الناس إليهِ
فَدَنا ثم تدلّى
صار نقشاً في أفاريز الجوامعْ
بالذي سَطَّرَهُ الأُمَّيُّ حين الله أمْلى
نرفع الجثمانَ أعلى
عَلَّهُ يدخل في أزرِقها
ثم يغدو خلطة الحنّاء في مفرقِها
حَنَّةَ الريح إلى أوطانها
وحياءَ الشمس من مّشرِقها
عبثاً!
ويظل الجسم جسماً فوق أكتاف المحبين ثقيلا
لن يكون القبر إلا حفرةً, طيناً وماءْ
نضع المَيِّتَ والأكفانَ والأعلامَ فيها
ثم نمضي
قد تركْنا ثّمَّ في القبر السماءْ
ثم لا نيأس أن تقبل منا ولداً ما في غدٍ أو بعد غدْ
كلَّ يوم نرفع النعش إلى الأعلى
وتمتد الأيادي لمداها
فّتُرَدّ
ويشبّ الناس شبّاً فوق أطراف الأصابعْ
علَّها تبصرهُ
علها إن نَسِيَتْ تذكُرُهُ
عبثاً تُنْكِرُهُ
والعلامات عليه كلها
أبيضه أسوده أحمره أخضرهُ
والحطة الرقطاء حول الوجه لا تسترُهُ
كيف لا تعرفُهُ, ماذا دهاها
إسمعي يا هذه الزرقاء يا بيتَ القضاءْ
هاكِ خيرناكِ هاكْ
إرفعيهِ الآنَ عن أكتافنا
ثم ارفعينا لعُلاكْ
أو فإنّا
نضع الأكفانَ في القبر و نمضي
قد تركناكِ هناكْ
وتصيحين بنا أن أدرِكوني
أخرِجوني
نظرةٌ ثم التفاتٌ
ثم لا ننظر أخرى للوراءْ
قّبِّلي ما بين عينيْنا اعتذراً يا سماءْ
يا سماء
ما البطولة ؟
حفرة تحت علامة ؟
لا نريد المجدَ خلْف الموت حتى لا ولا المجدَ أمامَهُ
نحن لسنا أولياءْ
ما كراماتٍ أردنا بل كًرامة
ها سبيل الله ندريه
فهل ثَمَّ سبيلٌ للكهولة ؟
لم نكن ندعو لدِينٍ أو إمامَة
أو كتابٍ يزعج الكهّان يوم السبتِ
لم نطرد من الهيكل تجّارَ الفضيلةْ
نحن لسنا مُسّحاءْ
نحن كنا ليلةَ الصَّلْبِ ندقُّ الكفَّ فوق الكفِّ
ما زِدْنا على ذلك شَيّا
نحن من صاح عليه الديك أَلفاً
لم نقل للرّوم حَرْفاً
وبكينا في مَسيحِ اللهِ إلْفاً
لا نَبِيّا
غير أنّا في بطون الأُسْدِ بِتْنا
لم نحد عن دينهِ حين امتُحِنّا
وعرفنا دقَّةَ المسمارِ في الكفَّيْنِ مثلَهْ
ثم لا نطلب أن يأتي إلينا مَلَكٌ
يخرجنا من ظلمة القبر بهالات الضياء
بين نجمٍ وغمامةْ
قد عرفنا قبل هذا
أن فُرِزنا
نحن للصَّلْبِ وأنتم للقيامةْ
لم نُؤَلَّهْ
لم يُسَجَّلْ في الأناجيل اسمُ أبْلّهْ
ماتَ مِنّا
حاملاً في صدرهِ أيقونةً
وجهَ ابن نَجّارٍ وديعٍ صامها تحت الرداءْ
وهو لا يطلب أن يُذْكَرَ أصلاً
مات فالأمر سواءْ.
قَبِّلي ما بين عينينا اعتذاراً يا سماءْ.
يا سماءْ
أبلغي في ليلةِ الإسراءِ مَن بالمسجدِ الأقصى يُصَلّي
من نبيٍّ أو إمامْ
إسمعوا يا من عليهم صلواتُ الله سربٌ من حًمامْ
وأذانٌ في الأعالي يتردَّدْ
بينكم مَن كلَّم الله جهاراً
والذي لم يَصْلَ ناراً
والذي عن أمرهِ عَمَّرتِ الجِنانُ داراً
والذي يحيا مدى الدهر سِراراً
حاضراً أو غائباً يبدو ويستخفي مراراً
والذي قد أتْعَبَ الناس انتظاراً
ليلةَ المعراج في المحراب من خلف محمدْ
إسمعوا مِنّا الكلامْ:
أعذرونا لو دَخَلْنا في صفوفِ الخاشعينْ
بالتوابيت وبالإعلامِ فَوْضى!
نحن لسنا أولياءً أو عباداً صالحينْ
غير أنَّا لم نجئكم مُدَّعينْ
كي ننال المجد في شركتكم هذا المقام
نحن جئنا مجبَرين
أعذرونا قد بلينا
بتمادي مشركينا
في الغباءْ
فاضطراراً يصبح المرء نبيّاً
لعنة الله عليهم
جعلونا أنبياءْ
قَبِّلي مت بين عينينا اعتذاراً يا سماءْ