شروط نقل القضيـة التحقيقية

لمكان الفعل الاجرامي الذي وقعت فيه الجريمة أهمية بالغة في التحقيق الابتدائي، حيث أن قواعد الاختصاص المكاني من قواعد النظام العام التي لا يجوز مخالفتها، ويتم تحديد الاختصاص المكاني لعملية التحقيق وفقا للمكان الذي وقعت فيه الجريمة كلها اوجزءا منها أو حتى أي فعل متمم لها، ويجري التحقيق عادة من قبل المحققين باشراف قاضي التحقيق، اذ يجري الكشف على مكان الجريمة اما بواسطة المحقق وبموجب محضر يتم عرضه على قاضي التحقيق المختص، او من قبل القاضي نفسه لمعاينة الاثار المادية للجريمة واتخاذ ما يراه مناسبا للمحافظة على تلك الاثار ونقلها وتثبيتها، وكذلك تثبيت كل ما من شأنه ان يفيد اكتشاف الجريمة والتوصل للحقيقة.
على ان قاضي التحقيق اذا عرض عليه الامر بان جناية مشهودة قد وقعت فعليه ان يتخذ الاجراءات القانونية بالانتقال فورا الى مكان الحادثة كلما كان ذلك ممكنا، وان يصاحبه في انتقاله ومعاينته للمكان السيد نائب الادعاء العام.
فاذا تبين لقاضي التحقيق أنه غير مختص بالتحقيق في الجريمة فله ان يحيل الأوراق التحقيقية الى قاضي التحقيق الذي يراه مختصا بالتحقيق بها، وفي مثل هذا الحال فاذا وافق القاضي المحال عليه الأوراق التحقيقية لإكمال التحقيق باعتباره مختصا من الناحية المكانية بها، فانه يتخذ ما يراه مناسبا من الإجراءات وفق مقتضى الحال، اما اذا رأى انه غير مختص في النظر بهذه الأوراق فعليه ان يرسل الأوراق الى محكمة الجنايات المختصة اذا كان القاضيان ضمن دائرة جنايات واحدة، وفي غير هذا الحال فأن الأوراق التحقيقية ترسل الى محكمة التمييز الاتحادية لتعيين القاضي المختص، وعليه ايضا أن يبقى مستمرا في الإجراءات التحقيقية حتى يصدر قرارا فاصلا من محكمة التمييز الاتحادية يتم فيه تعيين المحكمة المختصة.
على انه يجوز نقل القضية التحقيقية من اختصاص قاضي التحقيق إلى اختصاص قاضي تحقيق آخر ويكون هذا النقل بأمر من رئيس مجلس القضاء الأعلى أو قرار من محكمة التمييز الاتحادية أو قرار من محكمة الجنايات اذا كان القاضيان ضمن اختصاص دائرتها، وفي كل الاحوال فأن النقل يكون لأسباب حصرها القانون ضمن نص المادة 55/ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وهي :
* اذا اقتضت ذلك ظروف الأمن
* اذا كان النقل يساعد على ظهور الحقيقة.
على انه لا يجوز تحميل النص اكثر من تلك الأسباب، فالقضية التحقيقية مرهونة بمكان ارتكابها، لأن التحقيق يعتمد على الكشف على محل الحادث وتنظيم مرتسم له، بالإضافة الى تنظيم محضر لكشف الدلالة للمتهم عند اعترافه، وهو أجراء مهم وضروري لتثبيت صدقية اعتراف وإقرار المتهم في دور التحقيق .
فالمقصود بظروف الأمن ان هناك عوائق تحول دون الاستمرار بالتحقيق في منطقة معينة من شان هذا العائق ان يخل بالأمن العام والاستقرار او يحدث ما من شأنه الاخلال بالسلامة العامة للمواطنين، بالإضافة الى ان الاستمرار بالتحقيق في القضية من شأنه التأثير على حياد قاضي التحقيق واستقلاليته في اصدار القرار الصائب والعادل، وهذه الحالة تقديرية متروك تقديرها لرئيس مجلس القضاء الأعلى، ولمحكمة التمييز الاتحادية، ولمحكمة الجنايات. وباعتبار أن مرحلة التحقيق الابتدائي التي يجريها قاضي التحقيق تعتبر مرحلة جمع الادلة والاجراءات القانونية التي تسبق مرحلة المحاكمة او الافراج عن المتهم، فلابد ان تتوفر للقاضي الظروف التي تجعله قادرا على اكمال هذه المرحلة وتوفير الضمانات خلالها للمتهم وصولا الى مرحلة موازنة الأدلة التي انتهت اليها القضية، ولعل من بين أهم الضمانات التي اكد عليها القانون ان تكون السلطة التحقيقية حيادية وان يحضر ممثل الادعاء العام في جميع مراحل التحقيق، وان تتم إجراءات التحقيق بسرية، وأن تتم بسرعة لا تخل بالحقائق والأسانيد والقرائن التي تظهر، ووجوب ان يكون مع المتهم محام وكيل عنه وعند عدم وجود محام للمتهم يصار الى انتداب محام للدفاع عنه ويحضر معه مرحلة التحقيق وتتحمل خزينة الدولة الأتعاب المقررة، بالإضافة الى حق المتهم في الصمت، وان يتم تدوين الاجراءات التحقيقية وافادات المشتكين والشهود والمتهمين ، وان تجري الإجراءات القانونية بحيادية وشفافية بعيدا عن الإكراه والضغط والتهديد والوعيد.
اما الشرط الثاني من شروط طلب نقل القضية التحقيقية وهو أن يكون النقل عاملا مساعدا على ظهور الحقيقة، كأن تكون جزءاً من تلك الأفعال المرتكبة في مكان آخر أو ان هناك شهوداً ووقائع تدخل ضمن تقصي القضية التحقيقية من الصعب ان يتم توفيرها لقاضي التحقيق لشتى الأسباب، يمكن توفيرها عند نقل القضية حيث يساهم النقل على وصول قناعة قاضي التحقيق للحقيقة عند تدقيق الأدلة التي توفرت في القضية التحقيقية من عدمها. وطلب نقل الدعوى حسب الاختصاص المكاني هو من النظام العام والقرارات الصادرة بشأنه لا تقبل الطعن بها تمييزاً على انفراد بحكم المادة (249/ج) من الاصول الجزائية.
وبغير تلك الأسباب يعتبر طلب نقل القضية التحقيقية عائقاً وعقبة رئيسية امام الوصول الى الحقيقية وإكمال الإجراءات القانونية.
على انه في جميع الأحوال فأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، ومادام يعتقد انه بريء فسيثق بان القاضي وهو قانوني مهني يؤدي دوره بحيادية واستقلالية، ويعمل تحت القسم الذي أداه عند مباشرته بعمله، ما سيجعل عامل النزاهة والموضوعية اساسا في استمرار العملية التحقيقية التي لن تستطيع اية جهة كانت سواء في الدولة او داخل السلطة القضائية نفسها أن تؤثر او تتدخل في عمل القاضي.

القاضي زهير كاظم