04/10/2012 12:00 صباحا
برزت مظاهره على مدى السنتين الماضيتين
ترجمة ـ الصباح
تفيد دراسة جديدة نشرتها مؤسسة فريدم هاوس في أواخر أيلول الماضي ان أشكالاً مختلفة من التهديدات لحريّة الإنترنت قد أخذت بالبروز على مدى السنتين الماضيتين من بينها شن الهجمات الشرسة على كتاب المدوّنات وفرض الرقابة التي تكمن وراءها دوافع سياسية والتلاعب المسبق بمضامين الشبكة وإصدار قوانين مقيّدة تملي ضوابط محدّدة على الكلام عبر الإنترنت، إلا ان الدراسة المعنونة "الحرية على النت 2012 تقييم عالمي للإنترنت والأوساط الإعلامية الرقمية" توصلت أيضاً إلى أن المقاومة المتزايدة التي يبديها المجتمع المدني وشركات التكنولوجيا والمحاكم المستقلّة قد تمكّنت من إحراز عدد من الانتصارات المهمّة.تقول "سانجا كيلي"، مديرة مشروع "الحريّة على النت" في مؤسسة فريدم هاوس: "تظهر المعطيات بوضوح أن التهديدات الواقعة على حريّة الإنترنت قد ازدادت تنوّعاً. ولكن الحكام المستبدون - وإذ لمسوا أن حجب المواقع على الشبكة واعتقال الشخصيات المعروفة صارت تستقطب الشجب والاستنكار على الصعيدين المحلي والدولي – أخذوا يتحوّلون إلى طرق أكثر خفاءً ودهاءً، وإن تكن ليست بأقل خطراً، من أجل فرض السيطرة على الكلام عبر الإنترنت."
تأتي معركة حرية الإنترنت في وقت غدا فيه ثلث سكان العالم تقريباً قادرين على استخدام خدمة الشبكة، وكان رد فعل الحكومات إزاء تزايد تأثير هذا الوسط الجديد أن راحت تبذل المساعي للسيطرة على النشاطات الدائرة على شبكة الإنترنت والتضييق على حرية انسياب المعلومات، إلى جانب التجاوز على حقوق المستخدمين.
وسائل السيطرة هذه أخذت تكتسب مزيداً من التعقيد، والتكتيكات التي كانت تلاحظ سابقاً في البيئات القمعية فقط (مثل قيام الحكومات بالتشويش المتعمّد على روابط الإتصال لإرباك عملها أو تجنيد حشود من المعلّقين والأقلام المأجورة للتلاعب بالحوارات الدائرة على الشبكة) صرنا نشهدها في نطاق أوسع من البلدان.
تجري دراسة "الحرية على النت 2012" – التي تحدد معالم أهم التوجهات المتعلّقة بحرية الإنترنت في 47 بلداً – تقييماً لكل بلد على انفراد على أساس العوائق الحائلة دون الدخول والتحديدات المفروضة على المحتوى وانتهاك حريات المستخدم.
توصّلت الدراسة إلى أن إستونيا هي صاحبة أعلى مستوى من الحرية بين الدول التي تم تحرّيها ثم تأتي من بعدها الولايات المتحدة بالدرجة الثانية. أما البلدان التي حصلت على أوطأ النقاط وفق هذا التحليل فهي إيران وكوبا والصين. كذلك صنّف أحد عشر بلداً في فئة "غير حرّة" من بينها بيلاروسيا والمملكة السعودية وأوزبكستان وتايلند. وقد شهد 20 بلداً من أصل 47 التي تم تحرّيها تحرّكاً على مسارات سلبية في مجال حرية الإنترنت منذ كانون الثاني 2011. أما البلدان التي سجّلت أقصى درجات الإنحدار ضمن هذه المجموعة فهي البحرين وباكستان وأثيوبيا.
تمثل كثيرا من الإنحدار، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، بصورة تكثيف الرقابة والاعتقالات واستخدام العنف ضد كتاب المدوّنات في محاولة من جانب السلطات لإخماد النداءات المجاهرة بطلب الإصلاح. وفي السعودية وأثيوبيا وأوزبكستان والصين لجأت السلطات إلى فرض قيود جديدة بعد أن لمست الدور الخطير الذي لعبته أوساط الإعلام الاجتماعي في ثورتي مصر وتونس.
في ذات الوقت سجّل 14 بلداً تحرّكات على مسارات موجبة، وقد شهدت تونس وبورما أكبر قدر من هذه التحسّنات في أعقاب الإنفتاح السياسي الكبير. أما باقي المكاسب فقد انحصرت بالكامل تقريباً في بلدان ذات أنظمة ديمقراطية، الأمر الذي يبرز أثر توسع المؤسسات الديمقراطية في الإدارات الحكومية على دعم الحرية على الإنترنت.
دول على حافة الخطر
كجزء من عملية التحليل التي أجرتها شخّصت مؤسسة فريدم هاوس عدداً من البلدان باعتبارها معرّضة بشكل خاص للتراجع والتردّي على مدى الأشهر الإثني عشر المقبلة، وهذه البلدان هي: أذربيجان وليبيا وماليزيا وباكستان وروسيا وراوندا وسريلانكا.
أهم التوجهات
• إصدار قوانين جديدة لتقييد حريّة الكلام: في 19 من أصل 47 بلداً شملتها الدراسة تم إقرار قوانين وتوجيهات جديدة منذ شهر كانون الثاني 2012 كان من نتائجها التضييق على حريّة الكلام عبر الإنترنت أو انتهاك خصوصيات المستخدم أو معاقبة الأشخاص الذين يرسلون مضامين تعدّ مرفوضة أو غير مرغوب بها.
• تعرّض كتاب المدوّنات والمستخدمين العاديين للاعتقال بشكل متزايد بسبب الحديث في السياسة على الشبكة: في 26 من أصل 47 بلداً شملتها الدراسة، بضمنها عدد من الدول الديمقراطية، تعرض كاتب مدوّنات واحد، أو مستخدم لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، على الأقل للإعتقال بسبب مضمون أرسله عبر الإنترنت أو عن طريق رسالة نصيّة.
• اشتداد الهجمات البدنيّة على منتقدي الحكومة: في 19 من أصل 47 بلداً شملتها الدراسة تعرّض كاتب مدوّنات أو مستخدم للإنترنت على الأقل للتعذيب أو الاختفاء أو الضرب أو الهجوم السافر بسبب مواد أرسلوها عبر الإنترنت.
• المعلّقون المأجورون وهجمات الاختطاف مستمرّون في التزايد: تزايدت ظاهرة المعلّقين المأجورين الموالين للحكومة اتساعاً على مدى السنتين الأخيرتين، من مجرد حفنة صغيرة من البلدان إلى 14 بلداً من أصل 47 شملتها الدراسة. خلال هذه الفترة واجه منتقدو الحكومة في 19 بلدا من البلدان المشمولة هجمات الكترونية وراءها بواعث سياسية.
• تزايد الرقابة مع ضعف الروادع تجاه الإساءة: في 12 من أصل 47 بلدا في الدراسة كانت هناك قوانين أو توجيهات جديدة تعزز أعمال المراقبة أو تحظر التكتم على هوية المستخدم. في البلدان المستبدة تستهدف الرقابة غالباً منتقدي الحكومة بينما في البلدان متوسطة الأداء تكون الاحتياطات التي تحمي حقوق المستخدمين وإجراءات المراقبة متخلّفة كثيراً عن القدرات التقنية التي تمتلكها الحكومات والسلطات القضائية، الأمر الذي يؤدي إلى الإساءة والإنتهاك.
• مقاومة المواطنين تسفر عن نتائج ملحوظة: أسفرت النقلات التصاعدية المهمّة في النشاط المدني المتعلّق بحريّة الإنترنت، إلى جانب القرارات المهمّة التي اتخذتها المحاكم، عن انتصارات ملحوظة في مجموعة واسعة من البلدان، فحملات الإرشاد والتوعية والمظاهرات الكبيرة وتعتيم المواقع على الشبكة وقرارات المحكمة الدستورية كلها أدت إلى تجميد خطط الرقابة ونقض التشريعات المسيئة وإطلاق سراح الناشطين المسجونين. في 23 من أصل 47 بلداً جرى تقييمها كان هناك انتصار واحد مسجّل على الأقل من هذا
القبيل.
معطيات أخرى مهمة
تتعلق ببعض البلدان
• الصين: هي وطن العدد الأكبر من مستخدمي الإنترنت، ولكن الصين أيضاً هي البلد الأشد تقدّماً من حيث أنظمة السيطرة والذي يتبنى المزيد والمزيد من إجراءات التقييد. ففي العام 2011 اختطفت السلطات الصينية عشرات الناشطين وكتاب المدوّنات ومنعت الإتصال بهم طيلة أسابيع ثم حكمت على العديد منهم بالسجن. كذلك شدّدت الحكومة الصينية قبضتها على منتدى المدوّنات المحلي الشعبي الأصغر نطاقاً وضغطت على الشركات الكبيرة المهمّة لفرض مزيد من الرقابة الصارمة على المضامين السياسية وإرغامها على تسجيل الأسماء الحقيقية الصريحة لمستخدمي تلك المواقع. خلال ذلك انعكس تأثير الصين، بوصفها الحاضنة الأبرز لوسائل التقييد المتقدّمة، على أنحاء مختلفة من العالم، حيث اتخذت حكومات بعض البلدان، مثل بيلاروسيا وأوزبكستان وإيران، من الصين مثلاً ومضت في ابتداع وسائلها الخاصة الجديدة للسيطرة على الإنترنت.
• إيران: السلطات الإيرانية هي الأشدّ حرصاً على ممارسة تكتيكات غير محسوسة في حملتها المتواصلة التي شنّتها على حرية الإنترنت في أعقاب انتخابات العام 2009 المختلف على نتائجها. كان من بين هذه التكتيكات: تطوير تكنولوجيا ترشيح (فلترة) المحتوى واقتحام الوثائق الرقمية لتقويض خصوصية المستخدمين ثم الاقتراب خطوة بعد خطوة من إنشاء شبكة وطنية للإنترنت. كذلك أصدرت السلطات القضائية الإيرانية أقسى القرارات في العالم على نشاطات الإنترنت وكان من بينها أحكام بالإعدام على ثلاثة من كتاب المدوّنات وأحد الفنيين في تكنولوجيا المعلومات.
• روسيا: الإنترنت هو آخر منابر الحوار العام في روسيا التي بقيت بعيدة نسبياً عن المراقبة، ولكن منذ كانون الثاني 2011 اشتدّت كثافة هجمات حجب الخدمة وحملات تشويه سمعة الناشطين على الإنترنت لتجريدهم من مصداقيتهم، فبعد الدور الحسّاس الذي لعبته تلك الوسائل عبر الإنترنت في تعبئة تظاهرات الاحتجاج الكبيرة المعادية للحكومة التي ابتدأت في كانون الأول 2011 أعطى الكرملين الإشارة بعزمه على تضييق الخناق أكثر على الإتصالات عبر الإنترنت.
• باكستان: شملت التطورات الأخيرة المقلقة في باكستان فرض حظر على التشفير والشبكات الافتراضية الخاصة، وإصدار حكم بالإعدام بسبب بث ما زعم أنه محتوى تجديفي عبر رسالة نصيّة، وحجب جميع شبكات الهاتف النقّال لمدّة يوم كامل عن إقليم بلوشستان. إلا أن الجهات الرسمية عادت فأرجأت عدداً من الإجراءات الأخرى الهادفة إلى تشديد الرقابة بضمنها خطّة لفلترة الرسائل النصيّة اعتماداً على ورود كلمات محدّدة بالإضافة إلى إقامة جدار حماية للإنترنت (فاير وول) على نطاق البلد. جاء هذا الإرجاء كرد فعل واستجابة لحملات تأييد حقوق المجتمع المدني، ولو أن البعض يشكك في الأمر ويميل للاعتقاد بأن الحكومة لا تزال تعمل على تنفيذ هذه الإجراءات في الخفاء.
• مصر: أبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة على كثير من التكتيكات التي كان يعتمدها النظام السابق للسيطرة على الإنترنت، بالإضافة إلى التشديد في إجراءات أخرى. فالهواتف النقّالة والإنترنت ووسائط الإعلام الجماهيرية تبقى خاضعة للرقابة المشدّدة، وخلال أحداث معيّنة تلجأ الجهات المعنية أيضاً إلى الحدّ من سرعة نطاق التردد (عرض الموجة)، كما يقوم معلّقون مرتبطون بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتلاعب بالمناقشات والمحاورات التي تدور على الإنترنت، فضلا عن ذلك تعرّض كثير من الناشطين وكتّاب المدوّنات للترويع أو الضرب أو اطلاق النار عليهم أو تمّت محاكمتهم في محاكم عسكرية بتهمة "الإساءة إلى السلطة العسكرية" أو "إقلاق الأمن العام". فالمسار الذي تسير عليه حريّة الإنترنت في مصر لا يزال قلقاً وغير مؤكد على الرغم من الانتخابات الأخيرة.
• الولايات المتحدة: يبقى الدخول إلى شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة متاحاً وحرّاً إلى درجة بعيدة مقارنة بأنحاء العالم الأخرى. وقد ساندت المحاكم على طول الخط الرأي بأن الحظر ضد الضوابط الحكومية على الكلام يسري أيضاً على المواد المنشورة عبر الإنترنت، إلا أن القدرات التي تمتلكها الحكومة في مجال المراقبة تبقى مثار قلق. وفي مطلع العام 2012 أسفرت الحملات التي شنّتها منظمات المجتمع المدني وشركات التكنولوجيا عن إيقاف تمرير قانون منع القرصنة على الانترنت وقانون حماية الملكية الفكرية بعد أن أثيرت انتقادات بشأن آثارهما السلبية على حريّة الكلام.
• أذربيجان: بصفتها الجهة التي ستستضيف "منتدى حوكمة الإنترنت" في الشهر المقبل
تتطلع الحكومة الأذربيجانية لأن تقدّم
نفسها بصورة قائدة التجديد والابتكار في ميدان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكنها مع ذلك شدّدت بعض الشيء من إجراءات التضييق
على حرية الإنترنت. فبدلاً من فرض رقابة مشدّدة على المحتوى المتداول عبر الشبكة لجأت الحكومة إلى تكتيكات أخرى مثل مداهمة مقاهي
الإنترنت لجمع المعلومات عن هويات المستخدمين، واعتقال المواطنين النشطين سياسياً تحت اتهامات ملفقة وملاحقة الناشطين وأفراد عوائلهم. وفي تطوّر مثير للقلق قامت السلطات بدءاً من مطلع 2012 بتصعيد أساليب الرقابة على الهواتف النقّالة.
جريدة الصباح