بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين


لقد ورد في الحديث الشريف المعروف بحديث المعراج:
?يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما?( ).
فالحديث عن المعاني السامية والمضامين العميقة في هذا الخبر الشريف إنّما يحتاج إلى مقدّمات حتّى يتبيّن من خلالها معنى هذا الكلام الأقدس، ويتبيّن أيضا مدى تطابقه مع الدليل العقلي فضلاً عن الدليل النقلي. ومثل هذا الحديث قد يثير التساؤلات الكثيرة في نفوس الذين لا يستطيعون هضم هذه المعاني.
معرفتهم بمعرفة جمالية، وفي هذا يتمّ لنا بيان ما لدينا من عقائد حقّة مبنيّة على الأدلّة العقلية والنقلية، ولا يهمّنا الردود السلبية التي تصدر من البعض فإنّها لا تشكّل مانعاً شرعيّاً( )، فهي غاية ما تكون اتّهامات لا معنى لها ولا تستحقّ الردّ.
فإنه من المسلّم أن من يزداد معرفة يزداد كمالاً وخضوعاً وأدباً، فلو دخل علينا رجل كبير السنّ فإنّنا نحترمه ونوقّره من باب ?وقّروا كباركم?، وإذا عرفنا أنّ هذا الرجل الكهل هو أحد مراجع التقليد فإنه بلا شكّ يزداد احترامنا وتوقيرنا له ومحبّتنا فيه وإطاعتنا إيّاه، ومن هذا المنطلق من عرف النبي والأئمة الأطهار عليهم السلام بمعرفة جمالية، فإنه يزداد مودة وتعظيما وإطاعة، فيفوز بسعادة الدارين. فاليوم نتكلم عن سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، وهذا من وحي المناسبة( )، ولأنّ محبّيها يعيشون أحزان ذكرى شهادتها فنقول:
ثبت في محلّه أنّ الله سبحانه حكيم وعليم وقادر وجواد وحيّ، وله الأسماء الحسنى والصفات العليا، وإنّه الكمال المطلق، فلكلّ هذا خلق خلقاً، وخلق أرضاً وسماءً وما فيهما وما بينهما عن حكمة وعلم، فلم يكن خلقه لهذا الكون الكبير عبثاً.
فإذن لابدّ أن نعرف سرّ هذه الخلقة، ونوجز هذا القول بكلماتٍ قصيرة فنقول: إنّه تعالى خلق الكون لنا وخلقنا لأجله، فنراه سبحانه قد سخّر لنا ما في السماوات وما في الأرض، لكي نصل إلى كمالنا الذي هو عبادة الله تعالى، فلذلك قال في آية من آيات الكتاب العزيز:
((وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))( ).

ثم بيّن سرّ خلقة الإنسان بقوله عزّ وجل:
((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) .
أي ليعرفونِ.
فإذن لابدّ لنا من عبادة المنعم لنتكامل بهذه العبادة، إلاّ أنّ هذه العبادة على أقسام؛ فمنها عبادة الأحرار؛ ومنها عبادة التجّار؛ ومنها عبادة العبيد، ولكن كلّها تؤدّي إلى كمال الإنسان، فالإنسان يتكامل وكلّ شيء في عالم الوجود ما سوى الله تعالى في سر تكاملي، فالنواة تتكامل حتّى تصير شجرة مثمرة والنطفة تتكامل، فكلّ ما في الطبيعة يتكامل، إلاّ أنّ كماله محدود ببداية ونهاية، إلاّ الإنسان فإنّ له بداية ولا نهاية لكماله، لأنّ منتهاه هو الله ومقام الفناء فيه سبحانه وهو لا نهاية له:
((وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا))
((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)).