بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

السيدة الزهراء (عليها السلام) تحث على نشر الاحكام الشرعية والعلوم الدينية
روي في تفسير العسكري قال: (حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شي‏ء، وقد بعثتني إليك أسألك. فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك ثم ثلثت، فأجابت، ثم ثلثت فأجابت‏ إلى أن عشرت[2]فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله. قالت فاطمة عليها السلام: هاتي و سلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى[3] يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، و كرائه مائة ألف دينار أ يثقل عليه؟ فقالت: لا. فقالت عليه السلام: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من مل‏ء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل عليَّ، سمعت أبي رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، و جدِّهم في إرشاد عباد الله. حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نــور. ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم و نعشتموهم، فاخلعوا عليهم (كما خلعتموهم) خلع العلوم في الدنيا، فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة و كذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم. ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم. و قالت فاطمة عليها السلام: يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة ، و ما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر)[4] .
يظهر من الرواية ان الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تمارس وظيفة التبليغ الديني والإرشاد الاجتماعي للمجتمع النسوي من دون كلل او ملل، لذا لما اشفقت عليها المرأة من كثرة الأسئلة طيّبت خاطرها وأشعرتها ان السائل هو المتفضل على المجيب لأنه وفر له فرصة عظيمة للطاعة ونيل الأجر والقرب من الله تعالى حيث ذكرت هذا الثواب العظيم في الآخرة لمن أجاب عن مسألة دينية أو حل مشكلة أو أرشد أحداً وهداه بحيث لا يمكن المقايسة بين الجهد المبذول في هذا العمل وبين الأجر الي يعطاه.
فعلينا نحن طلبة الحوزة العلمية ان نعرف عظمة النعمة من الله تعالى بها علينا حين مكننا من التفقه في الدين وفتح لنا فرصة الارشاد والتبليغ والتعليم، اما من لم يتفقه في الدين فالفرصة مفتوحة امامه بأن يستفيد من أحدى مؤسسات الحوزة العلمية في النجف الاشرف أو المدن الأخرى أو الجامعة المفتوحة ليكون مؤهلاً لممارسة هذا الدور الإلهي العظيم، وعلينا ان لا ندخّر
جهداً في القيام بهذا العمل الرسالي لان الحديث الفاطمي يشير الى ان التفاوت في المنازل عند الله تعالى يكون بحسب الجد والاجتهاد في العمل بالعلم الذي حصله وارشاد الناس وهدايتهم الى الحق والإصلاح.

ولابد من الالتفات الى ان العمل الديني لا يكون محصّلاً لهذه الثمرة المباركة الا مع الاخلاص، فلو طلب العلم وعلَّمه ليستأكل بيه ويطلب الدنيا أو ليكون له جاه وشأنية بين الناس أو ليماري به ويجادل ويتغلب على الخصوم فأنه لا نصيب له في الآخرة لأنه لم يطلبها، وقد استنفد غرضه وحصّل مراده في الدنيا ثم خلّفه وراءه لما خرج منها والعياذ بالله تعالى.



---------------------
[2] - أي ان المرأة سألت سؤالاً ثانياً ثم ثالثاً الى العشرة
[3] - أي استأجر بهذا المبلغ الضخم إذ ان الدينار يساوي مثقال من الذهب
[4] - بحار الانوار