الصور وصلت..!!
متثاقلة أشرقت شمس ذلك اليوم كجندي مدفوع للتمشيط عن عدو متخف في أرض مفروشة الألغام..كان يؤنسها مزاحمة السحب السوداء لها في كبد السماء.
حاول رفع جسده في ايقاع غير متناسق ، شعر بكل أعضائه مشتة لم يعد يسيطر على أي منها:
-أمطري...اقصفي ...ارعدي ..اِزرعيني طوفانا ....فجريني بركانا ... خذيني بعيدا...شتتيني ...مزقيني...اَلحقيني بهم...اِفعلي...أرجوك.
- تعالوا من هنا...بسرعة ..بسرعة...العالم المتحضر مر من هنا .. دعونا نتبع خطاهم ... دعونا نحصي آثارهم ... إنها الشمس لا تريد ان ترى .. لا تريد أن تشهد... إنه النهار يريد أن يفنى ... هلموا بنا قبل أن يأتي الظلام من جديد ويعم الكون الفسيح سكون وصمت وركون من جليد..
- أخطا عندما واجه.. كان عليه يبقيَ فمه مغلقا... جلب الموت ..الدمار...الفناء لدشرته... ماذا لو تركهم يعبرون بصمت ... فهم عبروا في النهاية كما أرادوا ... على أشلاء فلذات كبده..أحبائه...آبائه ...أصحابه..أجداده وبعض من نسله .. بعثروا الماضي الحاضر والمستقبل ... لو انحنى كغصن أخضر أمامهم ... لو أمسك لسانه السليط وربط يديه الملعونتين وجمدّ رجليه الوقحتين...لما كان....
- كانت أقوى مني كانت صرخة بأعماقي جعلتني أصما عن كل الأنين والبكاء والاستجداء ... لم أقو على دفعها ... بل لم أرد دفعها ... ساحرة .. مغذية ... ملهمة ... كانت .. صرخة حسينية ملأت مني القلب و الوجدان ... كانت أقوى من أن أقوى على الجماد .... أمطري ... اقصفي ...ارعدي ..اِزرعيني طوفانا ....فجريني بركانا ...خذيني بعيدا...شتتيني ... مزقيني... .اَلحقيني بهم... أنا أرجوك.
- أي مخلوق مرّ من هنا....ليته آكل لحوم بشر..لماكان ترك كل هذا اللحم الهائل المتأجج ... أي وحش مرّ من هنا ... ليته مصاص دماء ... لماكان ترك كل هذا الدم المبعثر في احتجاج.
- حولنا كان يعشش الحب والفرح، اللهفة و الانتظار... كان لانعكاس الشمس بأعيننا وميض العزة والاباء...علمونا ان الصمت بداية الموت ... جبنت يومها .. تلعثم لساني لولا تلك الصرخة التي ملأت وجداني... اِنتصبوا أمامنا وبأيديهم وحولهم معادن عطشى لدمائنا ... ترغب بصدورنا .. تريد قلوبنا... القلوب التي عاشت امهاتنا تغذيها سلاما، امنا وامانا ... عاش آباؤنا يسقونها قوة شجاعة وبسالة.. عاش أحباؤنا يطربونها حبا ، عشقا وهياما ... عاش اطفالنا يرقصونها لطفا، بسمة وحنانا ... قلوب ازهرت أينعت ملؤوها الان فراغا،وحشة وضياعا...
كم أهفوا اليك ايها الموت.. أيها السواد .. انا ميت .. ميت انا .. لن أفتح عيني .. النور يعني الحياة .. وأنا في ظلام ما بعده ظلام ...أمطري...اقصفي ...ارعدي ..اِزرعيني طوفانا ....فجريني بركانا ... خذيني بعيدا...شتتيني ... مزقيني... وازهري بعد حين من دمائي..ابعثي حكاية عشق لشقائق النعمان .. كوني بنفسجية في غير هوان.
- هذه يد ناعمة... يد من يا ترى؟.. هذا الراس لا يناسب هذا الجسم .. هذه بشرة بيضاء .. لابد ان ذلك الرجل لها.. إنها يد شاب في الخامسة عشر... مابك؟؟..أما عدت تميز بين يد شاب ويد فتاة..
سحقا...هذا العمل أفسد ذوقي ... ثم كل الاصابع دون خواتم .. أتراها سرقت ام لا تحتاج فتياتهم الى الزينة...ادفنوا الكل في حفرة واحدة...حاضر..لكن!!... يتحتم ان نقدم احصاء عن عدد القتلى... بسيطة!! ...اعرفوا فقط عدد سكان الدشرة... ماذا عن الاجنة في الارحام ؟؟ ..لم يبق الا ان تسألني عن مصير النطاف... لكن لا احد يعرف عدد سكان الدشرة... إلا سكان الدشرة .. باصرار... يجب ان نملأ الاوراق.
- لن اعيش لاسرد الرواية .. لن اكون أول من واجه وآخر من عاش.. لن اخبر كيف ان صرخة واحدة مزجتنا بالتراب ورفعت أرواحنا إلى السماء... لن أعيش لأسرد الرواية... أمطري...اقصفي ...ارعدي ..اِزرعيني طوفانا ....فجريني بركانا ... خذيني بعيدا...شتتيني ...مزقيني... لما أبقى بعد ان رحل كل أحبائي .. أصحابي... ماضي وحاضري...
- إنه حيّ... إنه حيّ... إنه الناجي الوحيد ربما.. منه سنعرف تفاصيل الحكاية.. امهلوه .. اسعفوه... يجب ان يظل..
عندما رفع رأسه كان هناك غيره لم يزالوا مثله على قيد الحياة.. اِلتهبت داخله وفيهم نيران حقد .. وتأججت بعنف حمم ثأر... أمطري...اقصفي ...ارعدي ..اِزرعيني طوفانا ....فجريني بركانا ... خذيني بعيدا...شتتيني ... مزقيني... وابعثيني كيانا آخر ..ساعيش لأعيش سأشهد لأشهد انتقام الانسان من الانسان لاجل الانسان..
ولم تكن تلك الامطار الا عصارة مقلتيه .. فقد عادت الشمس لتشرق كما منذ الازل كان شيئا لم يكن .... لكن مع ذلك الصور وصلت...
( القصة ضمن المسابقة الادبية للمنتدى)