بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين





التزوّد في الدنيا بالتّقوى والأعمال الصَّالحة، هو ما يحصّن مصير الإنسان في الآخرة، فعندما يتّقي العبد ربّه، ينعكس ذلك في تصرفاته في الواقع، بحيث يمدّ الحياة بكلّ خير وفلاح في القول والعمل، وعندما يلجم الإنسان نفسه عن الشَّهوات، فإنّه يربّيها على الصّلاح، ويسمو بها كما أراد الله تعالى لها ذلك من سموّ ورفعة.

ومادام الإنسان يعيش الوعي، فإنّه يكون دائم التنبّه لما عليه من واجبات أمام الله تعالى، ومن مسؤوليّات حمّله الله إيّاها، فيحاسب نفسه ويراقبها، ويتوب إلى ربّه، ويعود إليه عودة واعية قبل بلوغ أجله، فهو دائم الاستعداد للموت، لا يغفل عن هذا المصير المحتوم، فإنّ إهمال الاستعداد للموت يعني الغفلة والجهل والضّلال.

الشّيطان يغري الإنسان ويوقع به في الخطايا، وقد يكون الشَّيطان إنساناً فاسداً ومنحرفاً، وقد يكون هوى النّفس ونزواتها، وقد يكون فتنة المال والأولاد والنّساء.

هناك كثيرون يغفلون عن آخرتهم، ويضيّعون الفرصة في حياتهم للانفتاح على مصيرهم في الآخرة، وتصحيح مسار أمورهم وعلاقتهم بالله تعالى، فيكون عمرهم حجّةً عليهم فيما ضيّعوه من وقتٍ وفرص للعودة الواعية إلى الله تعالى، وتتحوَّل، بالتالي، أعمارهم إلى نقمة عليهم بما عصوا الله وانحرفوا عن سبيله، فيما المؤمن هو من يؤدّي شكر الله، ويعرف أنَّ نعم الله طريق للشّعور بالمسؤوليّة تجاه الله تعالى وأداء حقّه.

يقول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) في خطبة مباركة له: "فتزوّدوا في الدنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً . فاتقى عبدٌ ربّه، نصح نفسه، وقدَّم توبته، وغلب شهوته، فإنَّ أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشّيطان موكَل به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمنّيه التّوبة ليسوّفها.

إذا هجمت منيّته عليه أغفل ما يكون عنها. فيا لها حسرةً على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشّقوة! نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربّه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة".

إنَّ المؤمن هو من يتحمَّل المسؤوليّة، ويتحلّى بالوعي، ويغتنم فرصة العمر ويحوّلها إلى طاقة تقوائيّة تنسجم مع إرادة الله وتؤدّي حقوقه. فلنجعل من أعمارنا حجّةً علينا بالخير والرّحمة والبركات أمام الله تعالى يوم نلقاه