ترويض "الشيطان الأحمر" لعلاج أورام الدماغ
باحثون بمدينة زويل يتغلبون على الآثار الجانبية لدواء "الدوكسوروبيسين" ويستخدمون الأنف لتسهيل وصوله إلى المخ
Credit: Science Photo Library / Alamy Stock Photo
يُعَد "الدوكسوروبيسين Doxorubicin" من أكثر الأدوية الكيميائية استخدامًا في إيقاف أنواع عديدة من الأورام السرطانية أو إبطائها. إلا أن استعماله في علاج أورام الدماغ، ظل "حلمًا" عصيًّا على التحقيق؛ إذ يقف الحاجز الدموي الدماغي حائطَ صدٍّ دون وصول أي أدوية إلى الدماغ.
فريق من الباحثين المصريين بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا تمكَّن مؤخرًا من ترويض الدوكسوروبيسين بحيث يمكن استخدامه علاجًا لأورام الدماغ.
واعتاد العلماء على تسمية الدوكسوروبيسين بـ"الشيطان الأحمر"، فـ"الشيطان" يرمز للآثار الجانبية الخطيرة للدواء على الجسم، و"الأحمر" يرمز للون هذا الدواء. لذلك يُستخدم الدواء تحت رقابة طبية صارمة؛ إذ إن تعاطي جرعات زائدة قد يشكّل خطرًا كبيرًا ويتطلب تدخلًا طبيًّا فوريًّا.
ويقول إبراهيم الشربيني -المدير المشارك لمركز علوم المواد بمدينة زويل- في تصريحات لـ"للعلم": "إن ترويض الشيطان الأحمر جعل من رحلة وصوله إلى محطة المخ أمرًا ممكنًا".
الاستخدام الأنسب
ووفق الدراسة، يعمل الدوكسوربيسين على وقف نمو خلايا الأورام عن طريق التداخل مع الحمض النووي، وهي المادة الوراثية الموجودة في الخلية، ما قد يتسبب في حدوث آثار سلبية على الخلايا السليمة، قد تؤدي إلى حدوث فشل في عضلة القلب على سبيل المثال، إضافةً إلى الأعراض المعتادة للأدوية الكيميائية المضادة للأورام، مثل الغثيان والدوار وسقوط الشعر.
من جهته، يقول عمرو الحفناوي -مساعد باحث في مركز علوم المواد بالمدينة، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن استخدام الأنف هو الطريق المناسب لوصول هذا الدواء إلى المخ؛ لعدم وجود حاجز من ناحية الأنف يمنع وصول أي دواء للمخ"، موضحًا أن استخدامه على صورته الطبيعية قد يدمر أغشية الأنف لضعفها.
ويشدد الحفناوي على أن التميُّز الرئيسي الذي حققه البحث، يتمثل في استخدام بوليمر يسمح بتعاطي الدواء عن طريق الأنف، ويساعد في الوقت ذاته على تقليل كميته التي تُمنح للمريض في الجرعة الواحدة، مما يساعد في السيطرة على أعراضه الجانبية إلى حد كبير. ويضيف: جرى توفيره على هيئة "جيل" يوضع في الأنف، وحبوب إسفنجية تلصق بها، وهو ما يميزه أيضًا عن الشكل التقليدي الذي يُستخدم عن طريق الحَقن في الوريد.
ويوضح أن الدواء فيه شحنات موجبة، لذا استُخدم في تركيبه بوليمر فيه شحنات سالبة لمعادلة الشحنات الموجبة، ثم جرت تغطيتهما ببوليمر آخر عليه شحنات موجبة لاستعادة تأثيره دون الإضرار بالأنف، كاشفًا عن أن هذا الأمر ساعد على حماية الأنف من ناحية، وإبطاء عملية خروج المادة الفعالة من الدواء، بما يمكِّن من إعطائه على مدى زمني متباعد كل أسبوعين، وبما يسهم في السيطرة بشكل كبير على آثاره الجانبية.
وكشف أن الدراسة حققت بُعدًا اقتصاديًّا مهمًّا؛ إذ ساعدت البوليمرات المستخدمة في تقليل كمية المواد الحاملة المستخدمة في تصنيع الدواء، فبينما كانت النسبة التي أقرتها أبحاث سابقة هي استخدام المادة الحاملة بمعدل 10 أضعاف كمية الدواء، نجح الباحثون في تقليل النسبة إلى 3 أضعاف فقط، أي لكل 1 جرام من الدواء تُستخدم 3 جرامات من المادة الحاملة.
أرانب تجارب
استخدم الباحثون في المرحلة الأولى من الدراسة أرانب غير مصابة بالمرض لإجراء تجاربهم، بهدف ضمان وصول الدواء إلى المخ بنسبة ارتفعت من 4% إلى 85%.
ومن المقرر أن يكون تجريبه في المرحلة الثانية على أرانبَ مصابةٍ بالمرض، ومن المفترض أيضًا إجراء خطوات أخرى تبدأ بـ"التجربة على حيواناتٍ ثديية أكبر"، ثم "التجربة على متطوعين من البشر"، وتمر هذه المحطة المهمة بخطوتين، إحداهما التجربة على عدد قليل من المرضى، وبعد ذلك على عدد أكبر من المرضى.