السيف في تراثنا العربي
تدل مادة /سيف/ في اللغة على امتداد في شيء، وعلى طول أيضاً، ومن هذا الباب كلمة
/السيف/ سمي بذلك لامتداده، وهو نوع من الأسلحة معروف، ويجمع على سيوف، وأسياف،
والسيّاف: هو صانع السيف وبائعه وحامله، وكذلك الذي يضرب به الرؤوس بأمر السلطان،
وهذا السلاح يستعمل باليد وله نصل طويل مستقيم أو مقوس، كما أن له مقبضاً يمسك به صاحبه
بجمع الكف، ورأس النصل قد يكون عريضاً مستديراً، أو ضيقاً مدبباً، وتتوقف وظيفة السيف في الضرب
أو القطع على شكل نصله وعلى ما يكون له من حد واحد أو حدين اثنين.
ومنه قولهم : سلاح ذو حدين.
والسيوف أنواع
منها العربي والفارسي والهندي والتركي والفرنجي وغير ذلك ومن ثم اتخذت السيوف أشكالاً شتى
عند الأمم التي تنسب السيوف إليها، كما امتاز كل نوع من هذه السيوف بطرازه وزخرفته وصقله إلى
غير ذلك، مما يشاهد هذا اليوم في شتى المتاحف.
ويعّد السيف عند العرب والمسلمين منذ القديم من أهم مقومات الشجاعة والبطولة الفردية،
وكان من عاداتهم إطلاق أسماء خاصة على سيوفهم، كما فعلوا ذلك في خيولهم أيضاً، ولا سيما
في الحروب والفتوح ومن ذلك /الوشاح/ وهو اسم سيف الفاروق عمر بن الخطاب و/ذو الفقار/ سيف
الإمام علي بن أبي طالب، والصمصامة سيف عمرو بن معدي كرب. ثم إن للسيف في اللغة العربية
أسماء كثيرة جداً، وبعض هذه الأسماء هي في الأصل صفات، ثم صارت أسماء للسيف، مثل البتّار،
والأبيض، والحسام، والمهنّد، والماضي (من المضاء وهو القطع)، واليماني.
وهناك مصطلحات وألفاظ أخرى تتعلق بغمد السيف وأجزاء السيف والمواد المستعملة في صنعه ووشيه،
وما إلى ذلك .ويجدر بالذكر أن للسيف بأسمائه وأوصافه المختلفة نصيباً وافراً في الشعر العربي، ولاسيما
في قصائد الفخر والحماسة والحروب والمبارزات كقول عنترة العبسي:
إنّ لي همة أشد من الصخر وأقوى من راسيات الجبال
وحساماً إذا ضربت به الدهر تخلّت عنه القرون الخوالي
وقد يستخدم اسم السيف في مجالات أخرى في الشعر العربي كالحكمة وضرب الأمثال مراداً
به القوة والحزم والبطش كقول أبي تمام الطائي:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
بيض الصفائح، لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب
وقول أبي الطيب المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرّ كوضع السيف في موضع النَّدى
هذا كله يدل على اهتمام العرب المسلمين بالسيف وأثره في الحروب والفتوح وتحقيق
الأهداف المنشودة، وقد خصوه بعناية فائقة وتقدير كبير، وأشادوا به جداً، ولا عجب فهو رفيقهم
ومؤنسهم وسندهم في الحلّ والترحال، حتى إن بعضهم فضّله على القلم من حيث التأثير وبلوغ
المراد في الأوقات العصيبة، فقام آخرون يفضلون القلم على السيف، ونشأت من أجل ذلك أقوال
ومناظرات ومفاخرات على لسان كل من السيف والقلم، دُوّنت في رسائل خاصة طريفة بمضمونها
وشكلها وحواراتها، وممن فضّل القلم على السيف ابن الرومي حيث يقول:
كذا قضى الله للأقلام مذ بُريت
أن السيوف لها، مذ أُرهفت، خدم
فغايره المتنبي وذهب مذهباً آخر في تفضيل السيف على القلم، فقال:
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي
المجد للسيف ليس المجد للقلم
ومهما تعاقبت الأزمنة والأحقاب فإنه يبقى للسيف أثره وهيبته، ويبقى له حضوره في الأعمال
الإبداعية من شعر وقصص ومسرحيات، حقيقةً أو رمزاً أو مجازاً، وصحيح أن السيف لم يعد له اليوم
أثره الفعال سلاحاً فتاكاً كيوم كان له شأنه لدى الأمم جميعاً قبل اختراع الأسلحة الحديثة المتنوعة،
إلا أنه مازال رمزاً حياً للقوة والحزم وللسلاح عامة، وينطوي على كثير من المعاني والصور والمجازات
الجميلة كقولهم مثلاً:
لا يطرد المحتل من البلاد إلا بالسيف، ولا يحقق أهدافنا المنشودة غير السيف.
وبين فكي فلان سيف صارم، أي إنه حديد اللسان، ولايفلّ الحديد إلا الحديد،
وقول جميل صدقي الزهاوي:
رأيت السيف قد ملك الشعوبا ولم أر أنه ملك القلوبا
وكل حكومة بالسيف تقضي فإن أمامها يوماً عصيبا
منقول