ولجت لمغارة روحك دون وجل رغم هاجس التوجس كون الاسرار يتجنبها الاغلب ...ارهاصاتك متقنة بشكل يفوق الوصف احيانا ...مدونتك عالم من الحرب السرية تتصارع فيها حواسك الخمسة مع كل مفردات ما يحيط بها.
لروحك باقة زنبق
ولجت لمغارة روحك دون وجل رغم هاجس التوجس كون الاسرار يتجنبها الاغلب ...ارهاصاتك متقنة بشكل يفوق الوصف احيانا ...مدونتك عالم من الحرب السرية تتصارع فيها حواسك الخمسة مع كل مفردات ما يحيط بها.
لروحك باقة زنبق
صباح الخير " احبتي "
- شي من هذا القبيل "
" لن يكون عمرك كله ربيعاً ..
ستتناوب عليك الفصول الأربعة .. تلفحك الحرارة .. تتجمد في صقيع الوحدة .. تتساقط أحلامك اليابسة ..
لكن حياتك ستزهر من جديد "
- *
..
حلمتُ بكِ في الليلة الماضية. الحلم نفسه يتكرّر في نومي منذ فترة طويلة. هناك قطعة من ثيابكِ احتفظتُ بها عندي، دون أن تعرفي ذلك. إنه الحزام الذي كنتِ تشدّين به على خصركِ. لقد سحبته من مكانه، ووضعته في خزانتي بين ملابسي قبل ذهابكِ. في الحلم أنهض من سريري، وأمضي باتجاه خزانتي، قاصداً ذلك الحزام، كما لو أنه الطريق الأخير الذي سيرشدني إليكِ من جديد. أفتح بابها فأجدها فوضوية كالعادة، وغير مرتّبة، لكني أرى طرف الحزام الخاص بكِ ظاهراً بين كومة من قمصاني، فأُطبقُ عليه أصابعي لأسحبه من مكانه، أشدّه باتجاهي، ولكنني لا أعثر على طرفه الآخر أبداً، لا أذكر أنه كان طويلاً إلى هذه الدرجة. أمدّ ذراعي إلى الخلف، حتى تصبح خارج جسدي تماماً، ومع ذلك يبقى طرف قطعة القماش عالقاً في مكان ما، في العتمة بين ثيابي، فأرجع عدّة خطوات إلى الوراء، ويستمرّ تسلّل الحزام الهادئ، من فجوة ما في تلك الكومة القماشية. أُتابع خطواتي العكسية التي تكون ثابتة في البداية، ثم تفقد توازنها مع تسريعي لها، ألفّ الغرفة بكاملها على قدمي، ولا تتغيّر النتيجة. أتابع سيري العكسي إلى الوراء. قطعة القماش تمتد إلى ما لا نهاية، أخرج من باب الشقّة، أنزل درجات السلّم بنفس الطريقة، أتعثّر عند بعضها، فأنهضُ وأُتابع المشي، أخرج من البناء، أصل إلى الطريق الرئيسي للسيّارات، ضوء الإشارة المرورية أخضر، يرتبك السائقون لدى رؤيتي، ويوقفون مركباتهم فجأة مع ظهوري الفجائي أمامهم، فتصطدم المركبات ببعضها، أسقط في مكان ما عند حافة الطريق، فأعجز عن الوقوف على قدميّ، أستغرب، ثم أتذكّر.. إنه المكان الذي وقفنا فيه ذات مرّة معاً، بعد منتصف الليل، في إحدى الليالي الباردة لوقت طويل، كان البرد قاسياً جداً عليكِ، ولكنكِ كنتِ سعيدةً مع ذلك، كنتِ ثملةً بعض الشيء، و كنتِ تعبّرين عن استيائك من الطقس بعبارات خاطفة ومضحكة، كنتِ تحاولين أن تقاومي البرد بحركات سريعة وخفيفة، فتمسكين بيدي، ترفعين أكتافكِ إلى الأعلى، وترمين برأسكِ بينهما، حتى تلتصق ذقنكِ بصدرك، كنتِ تجزّين على أسنانكِ و تعضّين على شفتيكِ، تضغطين بذراعيك على جذعكِ، وأخيراً، تُطبقين كفّيكِ بشدة على أصابعي، تحكمين على يدي، وتفركين يديك بسرعة كبيرة وهي بينهما. أُحاول النهوض من جديد، وأعجز مرّة أُخرى، أُمسك الحزام، أضعه في فمي وأغلق عليه أسناني، و يصبح سيري زحفاً عكسياً على يدي وكعبيّ، المركبات لا تزال في مكانها، الناس تنظر باتجاهي،، امرأة أربعينية تتجّه بخطى ثابنة نحوي، تنحني فوقي، تربّت على كتفي، و برقّة تسألني: ما الشيء الذي أنا متشبّث به، إلى هذه الدرجة بيدي وأسناني، ويعجز الآخرون عن رؤيته. أخبرها بأن تغرب عن وجهي، أقف على قدميّ، و أُتابع طريقي ، أمرّ بشوارع جديدة وأجدني في مناطق بعيدة، ثم أخرج منها، و أخرج من المدينة، أمرّ بكل أزقّة هذا العالم تقريباً، باحثاً عنكِ، وأعود لغرفتي وحيداً مضّطرباً حزيناً يائساً، والدماء من أثر الجروح، تسيل فوق كفّي و قدميّ، ولـا اجدك .انها لفعلا محاوله يائسه .ياعزيزتي ..يائسه ..
كل ما كنتُ أسعى إليه، هو أن أكون نفسي وحسب..أن أكون نفسي على كل حال، لأنني رفضتُ دائماً العيش وفقاً لأهواء الآخرين، وأفكارهم، ورغباتهم، رفضتُ دائماً الإنتماء لما كان يجمعهم. ليس تعالياً، ولكنني ببساطة كنت سريع النفور من كل شيء أبدو فيه شخصاً آخر...شخصاً لا يُشبهني. ذلك هو الهدف الذي كنتُ أضعه نصب عينيّ كل يوم، ثم أمضي باتجاهه باذلاً كل جهدي لتحقيقه، وقد كان تحقيقه يبدو رهيباً وشاقّاً، في كثير من الأحيان، لأن مثل هذه الغاية تكلّف الإنسان الكثير في طريقه إليها. إنها تكلّفه كل شيء تقريباً، إلا أنني كنت دائم الإصرار على بلوغها مع ذلك، لأن كلّ شيء آخر أمام هذه الغاية، كان شديد التفاهة، وغير هام بالنسبة لي. السؤال الذي عجزتُ باستمرار عن الإجابة عليه، بل وحتى فهمه: لماذا كان هذا الأمر يزعج الآخرين بصورة دائمة
عليك أن تغفر للآخرين دائماً، وحتى لأولئك الذين أوهموك أنهم طوق نجاتك، وأنه بإمكانك الإعتماد عليهم في مواجهة الحياة ، ثم فرّطوا بك بكل بشاعة، أثناء انهيارك عند أول مُنعطف فيها، وتركوك وحيداً، وحمّلوك مزيداً من الأعباء، بعد أن تعمّدوا إيذائك، وبالغوا فيه. هؤلاء أيضاً يجب أن تسامحهم، ليس لأنهم جديرون بالمغفرة، بل فقط لكي تجعل مرور الوقت خفيفاً على قلبك. لقد جئت لهذا العالم وحيداً تماماً، وكذلك سوف تخوض أيامك فيه، وعلى هذا النحو سوف تغادره. لو أنك وصلت لهذه القناعة منذ البداية، لوفّرت على نفسك الكثير من الآلام.
..
في البداية فقدتُ الرغبة برؤية الناس وسماعهم، وبعد ذلك لم أفقد الرغبة في الكلام الذي أصبح عملاً شاقاً بالنسبة لي وحسب، بل الطاقة الكافية لذلك أيضاً، بعد فقداني للقدرة على التركيز، وكذلك القدرة على إنجاز المهام اليومية مهما كانت بسيطة. وقد ازداد الأمر سوءاً وتعقيداً، حين بدأتُ أواجه صعوبة بالغة في التعبير، التفكير المنطقي، القراءة، ومؤخّراً الكتابة. غير أن هناك أحاديث يوميّة طارئة، تجبر الإنسان على أن يكون طرفاً فيها: عند رؤيتنا لشخص نعرفه بالصدفة في مكان ما مثلاً! إن مثل هذه الأحاديث لا يمكن تجنّبها، ولذلك وجدتُ حيلةً فعّالة أستطيع من خلالها الهروب، حين أتعرّض لموقف كهذا.
اليوم على الطريق، التقيتُ بامرأة تقيم في قرب المبنى السكني الذي أُقيم فيه، فأوقفتني وشرعت في الكلام، وعندما لاحظت صمتي، سألتني عن سببه، فأشرتُ لها بيدي إلى فمي، وادّعيتُ كاذباً وجود ألم في أسناني يمنعني من مشاركتها الحديث، بالأحرى لست كاذباً، لأن الألم موجود فعلاً، ليس في أسناني، بل في قلبي. صرتُ أتحايل على الجميع بهذه الطريقة، حتى أنني أنوي استخدام هذه الحيلة أيضاً، إضافة لحيل أُخرى، مع المُعالجة النفسية التي أنتظر موعدي معها الذي رتّبته صديقة لي منذ أسابيع. في الأيام الأخيرة الماضية، عجزتُ عن التواصل مع الناس، وكذلك الأشخاص المقرّبين منّي، حتى من خلف هذه الشاشة الباردة.
هناك فجوة تفصل بيني وبين جميع الناس، بيني وبين كل ما هو موجود. لا أعرف كيف نشأت! ولا أعرف متى حدث ذلك، على وجه التحديد! إلا أنني أعرف أن هذه الفجوة بدأت بالتشكّل والظهور منذ سنوات طويلة، ثم ازدادت عمقاً واتساعاً في كل الجهات، مع مرور الوقت،، إن كل شيء يبدو غريباً فوضوياً وغير مألوف بالنسبة لي.
أشعر بالوحدة المُفرطة تلازمني كظلّي طيلة الوقت، في كل مكان، ومع كل إنسان.. أشعر بالإغتراب الذي يتسبّب أحياناً في انهياري، الإغتراب في أبشع صوره المُخيفة والهائلة، عن الجميع، حين أكون وسط الجموع، وحتى عن نفسي، عندما أكون وحيداً. إن القلق يُولد قوياً عميقاً في قلبي، ويستحوذ عليه دائماً، مع الخطوة الأولى لي خارج المنزل ورؤيتي للناس، ولا يزول إلا بعد ساعات من عودتي إليه.