..
قليلاً ما كنت أشعر بالسرور، والحقّ أنني كنت أجده مريحاً إلى حدّ ما، يهدّئ نفسي، يخفّف عنها أعباءها، يهذّبها، ثم يعلو بها إلى ارتفاع السحاب، ولكن هذا السرور كان يتبدّد سريعاً. كان يبدو باهتاً ومنقوصاً دائماً، كان خفيفاً وفارغاً مثل بالون في يد طفل صغير، بإمكان نسمة هواء مفاجئة، أن تسحبه من بين أصابعه الرقيقة، وأن تحمله إلى مسافات هائلة، ولم يكن يحتاج الأمر لأكثر من وخزة إبرة لكي يستحيل إلى قطعة بالية من المطّاط. أما الحزن فكان برغم ثقله، ينفذ لداخلي بخفّة رهيبة من مسامات جلدي، يركض في شراييني، يفتّت عظامي، يسمّم أفكاري، يحتلّ تعابير وجهي، يعبث بي، ثم يجثم فوق صدري إلى ما لا نهاية. لم أره مرّة ناقص الملامح، بل كان دائماً صحيحاً واضحاً، كان يبدو غنيّاً ومتكاملاً…