الإنتحار كان دائماً، أكثر الأفكار وضوحاً ونقاءً في ذهني، وكانت هذه الفكرة، تدفع بكل ما هو سائغ، ومقبول، وهام نحو الهاوية، وتجعل كل غاية من الممكن أن أسعى في سبيل الوصول إليها، ضئيلة، وتافهة، لا تستحقّ الجهد والعناء. أما المشاعر، فقد كان شعور الخوف، أكثر المشاعر قوّة وجلاءً في نفسي، ولكنه لم يكن ذلك الخوف الذي نشعر به من احتمال فقدان عزيز، أو مواجهة ممكنة الحدوث، أو فشل ما، أو وقوع كارثة، فلم أكن أُبالي بهذه الأمور إلى حد كبير. لقد كان خوفاً قويّاً،أبلجاً، وساطعاً، كان عميقاً قائماً، وعصيّاً على الفهم، وعلى التجاهل، كان مُبهماً غامضاً كالموت تماماً. وكانت تخذلني اللغة، كلّما حاولتُ شرحه، أو الإفصاح عنه لإنسان قريب، وحين اقتنعتُ باستحالة عثوري على من يفهمه، على من يفهمني، توقّفت عن البحث، وشيئاً فشيئاً، قتلتُ حاجتي للتواصل مع الآخرين وببرود، حتى ماتت. لقد اجتمعت كل هذه الأشياء الحادّة والفاتكة في داخلي، وطبعت الصفات نفسها، في سلوكي، شخصيّتي، وتعاملي مع الآخرين، فأقصتني عن الناس، وأقسرتني على البقاء وحيداً، ثم هيمنت وبصرامة على حياتي، حتى جعلتني في النهاية، عاجزاً عن استعادة السيطرة عليها، أكتفي بالعيش في خيالي، وبمراقبتها من مسافات بعيدة، راثياً انهيارها أمام عينيّ، في كل دقيقة.