من أهل الدار
طٌبـع ــي غيرالبشر
تاريخ التسجيل: October-2014
الدولة: بلدً غر ق بدميًَ
الجنس: ذكر
المشاركات: 16,263 المواضيع: 74
صوتيات:
76
سوالف عراقية:
0
مزاجي: بماُ ترف لهُ الرياحُ
المهنة: افكر كالعبقري اكتب كالمؤلف المرموق واتحدث كالطفل
أكلتي المفضلة: بماُ يتلهفٌُ له الراسً
موبايلي: iphone 13 pro max
صدّقيني أنا أمقتُ سوداويتي بقدر مقتك لها، و بقدر ما تدفعك لكراهيتي كشخص ربّما، كما أنني أمقتُ تفاؤلك بدرجة أعنف من التي تمقتُ فيها تشاؤمي.
هل يمكنك أن تفهم مدى فداحة حسدي لك و حقدي عليك؟ أنت مازلت قادراً ربّما على الإستمتاع بأبسط الأشياء: كوب من الشاي في مكان آسرمثلاً، مبلغ لا بأس به من المال، منصب في وظيفة ما يحقّق احترام الآخرين لك و احترامك لذاتك، الإطلاع على كتاب أو مشاهدة فيلم جديد، التحدّث..
و بالطبع أحسدك! لأنني لم أعد قادراً على الإستمتاع الكبير بمثل هذه الأشياء،بل فقط على الشعور بالبهجة الخاطفة حيالها، فقد جرّبتُها كلّها،و وصلتُ إليها.. و كنتُ غبياً بما فيه الكفاية للإطلاع على كل شيء والخوض فيه حتى أبعد أعماقه مهما كان ملعوناً، مرفوضاً، غريبا، فاجراً، و مُخيفاً. كنتُ غبيّاً بما فيه الكفاية لاستهلاك كل شيء بكثرة وشراسة وعلى نحو مُفرط لدرجة المرض، و حاد إلى أقصى الحدود، هذه هي طباعي، لقد كنتُ شديد الحماس و الإندفاع. الطباع التي كانت الشرارة الأولى لضياعي وانهياري.
الفرقُ بيننا أنني الآن و أنا في مكاني هذا، أستطيع أن أفهم ما أنت عليه من تفاؤل و حماس، و لكنني أشكُّ بأنك تملكين القدرة على فهم سوداويتي التي تمقتها دون أن أستاء من مقتك لها. أخبرتك أنني أفهم تفاؤلك الذي في حال كان صادقاً وغير مزيّف، لن يقودك إلا إلى مكاني هذا للوقوف بجانبي ثم البحث عن رصاصة مُسدّس في أسوأ الأحوال أو الإكتفاء بمشاركتي تشاؤمي و سجائري في أحسنها.
إنّك لن تستطيعي أن تُصدّقي كم كان لدي من أحلام و آمال. إن الأمل عندما يكون حقيقياً صادقاً ومُشتملاً على الطموح العالي، لا يدفع بصاحبه في النهاية إلا إلى اليأس.
المشكلة أنني استهلكتُ كل شيء في سنّ صغير و وقت قصير، وقد ساعدتني الوحدة وظروف الإغتراب المُبكّر على ذلك، ما جعلني أشعر في داخلي أنني كهل طاعن في السّن أكل عمره منذ السنين الأولى من عقدي الثاني.
قد تجد غرابة في ذلك و لكنني كنتُ وبرغم كل هذه المشاعر الثقيلة، أُحاولُ أن أكون لطيفاً وأبتعد عن الناس الإيجابيين وأحظرهم ليس من حياتي فقط، ، لمجرّد أن أشعر أنهم مُستاؤون مني، وليس ذلك لأنني مُتعجرف أو أعتبر أن طريقي هو الطريق الصحيح، بل العكس تماماً، فأنا مُدركٌ أنني مُخطئ، وقد أخطأت في حقّ نفسي وآذيتها أكثر مُما أخطأت في حقّ الجميع و آذيتهم و أكثر مما أخطأ الجميع في حقي وآذوني، على الرغم من كثرتهم، كنتُ أبتعد عنهم لأنهم و ببساطة غير مضطرين على تحمّل سوداويتي، كما أنني لستُ مُجبراً على الإصغاء لنصائحهم أو سماع أوهامهم، كما قرّرتُ و مع اقترابي من الدخول في سنة جديدة، أن أكون مُهذّباً لدرجة الطلب من أصدقائي بالتوقّف عن متابعة أخباري أو كتاباتي التي لا بدّ أنها تُزعجهم، مُهذّباً لدرجة
إن هذا التناقض اكتشفته في تعاملي مع الحيوانات قبل البشر، حيثُ أنني كنتُ أكره التفاؤل و المتفائلين.. أقصد القطط و مُحبيهم منذ طفولتي، و كان هناك قطّة أجدها غالباً بجانب منزلي، فأُشفقُ عليها وأُطعمها بعد تنظيفها بحمّام ساخن ثم أطردها فوراً لتعود للقمامة، أقصد للسوداوية .. أقصد للحقيقة.
و على سيرة العمرو الولادة، تعرّفت قبل عدّة أعوام و عن طريق الصدفة على أعمال الكاتب الروسي ليرمنتوف، وقرأتُ إحدى رواياته التي شدّني التشابه الرهيب بين أفكاري و مشاعري و أفكار و مشاعر شخصيتها الرئيسية الغارقة في التعب واليأس بطريقة عجزتُ عن مقاومتها. الشخصية الأقرب إلى شخصية البائس ليرمنتوف من بين كل الشخصيات التي ابتدعها في رواياته، ليرمنتوف الذي توفّي في عامه السابع و العشرين. بالأمس أعدتُ قراءة الرواية نفسها و بجلسة واحدة بلا انقطاع، لأنني ومنذ أن قرأتها للمرّة الأولى قبل سنوات، صاح في رأسي خيال أقرب ما يكون إلى اليقين، أن التشابه بيننا سيصل لحدّ الوفاة في العمر ذاته.