يشكل أهل البيت (عليهم السلام) العظمة الحقيقية و الواقعية بكل جوانبها . و إمامنا السادس جعفر ابن محمد الصادق(عليه السلام) هو كوكب ذري و شمسٌ منيرة من شموس أهل بيت العصمة و الطهارة (عليهم السلام).
و لا نرمي الوقوف على الجانب الملكوتي لشخصته الربانية فذلك الجانب لا يمكن بلوغه، وإنّما نرمي لأن نطل على جانب من وجوده وهويته وشخصيته التي يمكن للإنسان ملاحظتها والتدبّر فيها والتأسّي بها أحياناً.
مجهولية البعد السياسي و الجهادي في حياة الإمام الصادق (عليه السلام)
برز الإمام الصادق (عليه السلام) و تألق في جانبه العلمي و الفقهي و المذهبي بشكل واضح و صريح. فقد فرض الإمام (عليه السلام) إمامته و مرجعيته القيادية (العلمية و الفقهية). و أجمع كل معاصري الإمام (عليه السلام) من العلماء و المؤرخين على فضله و عظيم شخصيته و عمق أثره في الشريعة الإسلامية و جهوده العلمية الكبيرة في جميع العلوم و المعارف. فهذا أبو حنيفه يقول: "ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد".
لكن البعد و الجانب الحركي و الجهادي من حياة الإمام الصادق(عليه السلام) بقي مخفياً و مجهولاً عند الكثيرين و قلما و جدنا كتباً و أبحاثاً في هذا الشأن! برغم أهمية التمعن و التأسي بحياة أهل البيت (عليهم السلام) في كل جوانبها بقدر الإمكان.
لكن المستغرب بأن هناك من ينكر الجهاد السياسي للإمام الصادق (عليه السلام) مثلما أنكر البعض الجهاد السياسي للإمام السجاد (عليه السلام)!
و ربما تعود مجهولية البعد الجهادي للحالة السرية التي طبعت هذا الجانب من حياة الإمام(عليه السلام) نتيجة للوضع الأمني الحساس في تلك الفترة و ما تلاها.
مظلومية الحياة السياسية و الجهادية للإمام الصادق(عليه السلام):
هناك عدة نظريات يطرحها و يتبناها البعض حول موقف الإمام الصادق (ع) و تعاطيه مع السلطة الحاكمة و من جملة النظريات التي ظلمة دور الإمام السياسي النظريتان التاليتان:
فالمجتمع في زمانه كان يضج بالمظالم الطبقية والطغيان السياسي والسيطرة المقيتة على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم ونفوسهم وتفكيرهم ومشاعرهم. لكن الإمام لم يكترث بكل هذا و تفرغ للتدريس و العلوم!1. فهناك في الداخل الشيعي و الإسلامي من يعتقد بأن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يتصدى للجهاد و مقارعة الظالمين بل كان الإمام (عليه السلام) عالماً، باحثاً، وأستاذاً كبيراً انتهل من بحر علمه أبو حنيفة ومالك ولكنه للحفاظ على دوره العلمي كان بعيداً كل البعد عن كل الجهاد و مقاومة عدوان السلطة على الدين، وعن كل ما تتطلبه مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام السلطان الجائر’ بل كان يتماشى مع السلطات الحاكمة لكي تبتعد عنه الشبهات بالإضافة إلى حصوله على امتيازات منها.
2. و هناك ممن لا يعتقد بإمامة الإمام الصادق (ع) مثل الكثير من المستشرقين حيث ذهبوا إلى أن الإمام الصادق(عليه السلام) وقف تجاه ما كان يحيق بالمجتمع من ظلم، موقف عدم إكتراث.
و كلتا النظرتان ظالمتان للإمام الصادق (ع) و لا تعبران عن الواقع الجهادي الذي مارسه الإمام الصادق (عليه السلام). و لكي نتعرف بشكل أصح على الدور السياسي للإمام الصادق (عليه السلام) فإننا يجب أن نتعرف على المناخ السياسي و ظروف السياسية التي عايشها الإمام(سلام الله عليه).
المناخ السياسي في زمن الإمام الصادق (عليه السلام):
عندما بدأت مرحلة إمامة الإمام الصادق "عليه السلام" كانت الصدامات والحروب منتشرة في العالم الإسلامي كأفريقيا وخراسان وفارس وبلاد ما وراء النهر ونقاط أخرى من العالم الإسلامي مما سبّب مشكلات كثيرة لبني أمية وهكذا استطاع الإمام الصادق "عليه السلام" في هذه المرحلة أن يستفيد من هذه الفرصة وقام بالتركيز... على إمامة أهل البيت "عليهم السلام".
فقد استفاد الإمام (ع) سقوط النظام الأموي و فترة بداية قيام النظام العباسي حيث بقية أجهزة المخابرات الطاغوتية بعيدة لفترة من الزمن عن رصد حركة الإمام الصادق (عليه السلام).
الهدف الذي كان يسعى إليه الإمام الصادق و آبائه و أبنائه (عليهم السلام):
استفاد الإمام من فترة اندحار النظام الأموي و قيام النظام العباسي الجديد لترتيب الأهداف الإسلامية و الإستراتيجية التي كان يهدف إليها أهل بيت النبوة و العصمة (عليهم السلام) و التي كان من أساسها و أهمها السعي الحثيث لإقامة النظام الإسلامي العادل.
و هذا الهدف المقدس يتطلب للوصول إليه عدة أمور أساسية أهمها:ـ
1- أيديولوجية موجّهة وهادية ينبثق عنها ذلك النظام وتصوغه بصياغتها.
2- ثم تحتاج ثانياً إلى قوة تنفيذية تستطيع أن تشق الطريق وسط الصعاب والمشاكل والعقبات نحو تحقيق الهدف.
و أيديولوجية الأئمة (ع) هي الإسلام المحمدي الأصيل الذي يحمل عناصر بقائه و نموه معه.
و بملاحظة هذا الهدف الذي كان يسعى له الأئمة (عليهم السلام) يتضح بأن منهجهم (ع) ذو جانبين متلازمين: الأول يرتبط بالعقيدة، والثاني بتوفير القدرة التنفيذية والاجتماعية. وهي نفسها المتطلبات التي رعاها إمامنا الراحل الخميني المقدس لتأسيس الجمهورية الإسلامية المباركة و تأسيس حزب الله.
كيف مارس الإمام الصادق (عليه السلام) دوره في التمهيد لإقامة الحكومة الإسلامية؟
أولاً: فيما يتعلق بجانب البناء العقائدي "الجانب الأيدلوجي":
- قام الإمام الصادق (ع) بنشر مفاهيم الرسالة وبلورتها وترسيخها.
- الكشف عن انحرافات المغرضين والمنحرفين.
- بيان موقف الأطروحة الإسلامية للمستجدات.
- إحياء ما اندثر من معالم الرسالة بسبب تغييبها من الظلمة.
- توضيح الأحكام الإسلامية من كتاب الله وسنّة نبيه.
أي "صيانة الرسالة الإسلامية حيّة بناءة متحركة على مرِّ الأجيال".
ثانيا: فيما يتعلق بالجانب الحركي و التنفيذي:
مراعاة للاختصار – فقد قام الإمام الصادق (ع) بتشكيل جهاز تنظيمي سري و دقيق من شيعة آل البيت (ع) يسير وفق الرؤى الإسلامية للأهداف العليا للإسلام.
و مع الأسف فإننا لا نجد و ثائقاً حول هذا التنظيم و طبيعة عمله بسبب الكتمان و السرية التي قام بها الإمام الصادق (ع). و لمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب الحياة السياسية لأهل البيت (ع).
و فيما يرتبط بالبعد الحركي أيضاً قام الإمام (ع) بإعداد كوادر إسلامية متخصصة (عقائدياً- فكرياً- جهاديا- سياسياً- قياديا) قادرين على الوصول للهدف الرباني للأئمة(عليهم السلام).
كان يفترض أن نطيل خصوصاً فيما يتعلق بالفقرة الأخيرة و لكن مراعاةً للاختصار..
ملاحظة:
- تجنبت الخوض في موقف الإمام من بعض الحركات و الثورات التي رفعت شعار الرضا لآل محمد. و حاولت التركيز عن الدور السياسي و الجهادي للإمام الصادق(عليه السلام) و تعاطيه مع النظام الحاكم.
أهم المصادر:
- الحياة السياسية لأئمة أهل البيت (ع) – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.