المقصود بالحور العين في القرآن :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ

• يزعم أحد الأساتذة الأكاديميِّين وهو الدُّكتور محمد حسين آل ياسين : أنَّ ( الحور العين ) في القرآن ليس وصفاً لجمع الإناث ، بل هو وصفٌ لجمعٍ مؤلَّفٍ من الذُّكور والإناث ، وذلك لأنَّ الله يخاطب كلَّ المؤمنين نساءً ورجالاً ، فأراد أن يغريهم جميعاً بأنَّ لهم أزواجاً حوراً عيناً ، لأنَّ الله عادل ومقتضى عدله أن يكون لكلا الجنسين المؤمنين والمؤمنات أزواجٌ من الحور العين .

1 ــ كقوله تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ، كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } .

2 ــ وقوله تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } .

• أقول : إذا أغمضنا عن إجماع المفسِّرين واتِّفاق أخبار المسلمين بمختلف مذاهبهم من العامَّة والخاصَّة على كون ( الحور العين ) وصفاً للإناث ، وأردنا أن يكون الكلام بحثاً لغويَّاً وقرآنيَّاً بحتاً ، فإنَّ ما ذكره الدكتور مجرَّد احتمال ، والمتبادر من إطلاق صفات الحُسْن مثل ( الحور العين ) بحذف الموصوف هو الإناث كما لا يخفى على العارف بأساليب العربيَّة وهو القدر المتيقَّن منه والزَّائد عليه يحتاج إلى دليلٍ ، ولم يُقِم الدُّكتور دليلاً سوى عموم السِّياق لجميع المتَّقين ، وما زعمه من أنَّ جعل الحور العين للمؤمنين دون المؤمنات ينافي قضيَّة العدل الإلهي ، وكلاهما مردودٌ .

أمَّا عموم السِّياق ، فلقد جاء السِّياق نفسه في آياتٍ أخرى على عمومه للمتَّقين ، وقد وعدهم الله بأزواجٍ إناثٍ ، حيث وُصِفْن بصفاتٍ لا تنطبق إلاَّ على الإناث .

1 ــ فقال الله تعالى { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا } و( الكواعب ) جمع ( كاعب ) وهي الأنثى إذا برز ثدياها ، والكعوب مرحلةٌ فوق النُّهود فالفتاة إذا فَلَك ثديها تكون ناهداً ثمَّ كاعباً ، والجمع ( نواهد ) و( كواعب ) .

2 ــ وقال تعالى { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ، مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } .

3 ــ وقال تعالى { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ، لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ، إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ، عُرُبًا أَتْرَابًا ، لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ } .

والقرآن يفسِّر بعضه بعضاً ويشهد بعضه على بعض ، فيستفاد من الجمع الدَّلالي بين الآيات أنَّ أزواج المتَّقين في الجنَّة موصفاتٌ بعدَّة صفات ، كونهنَّ حُورَاً .. وعِينَاً .. وأبْكَارَاً .. وعُرُبَاً .. وكَوَاعِبَ .. وقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ .. وأتْرَابَاً .

وأمَّا كيف والخطاب عامٌّ لجميع المتَّقين ؟ وما حال المؤمنات ؟ فالجواب أنَّهنَّ داخلاتٌ في الحور العين الطَّرف الآخر من الزَّوجيَّة ، بل إنَّ المؤمنات في ذلك الحين أرفع نساء الجنَّة جلالاً وأروعهنَّ جمالاً ، ورجالهنَّ من المؤمنين لا يضاهي جمالَهم وكمالَهم جمالُ الولدان المخلَّدين .

والدَّليل الذي لا يدع للشكِّ من سبيل على أنَّ ( الحور ) وصفٌ لخصوص الإناث وليس وصفاً للذكور والإناث مجتمعِين ، قوله عزَّ وجلَّ { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } فقال ( مقصوراتٌ ) ولو كان ( الحور ) وصفاً لجمع الذكور والإناث معاً لكان التغليب في الصِّيغة للذكور فيقال ( مقصورون في الخيام ) كما هو معلومٌ من قوانين الُّلغة ، ثمَّ إنَّه قال بعده { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } .

كما يدلُّ على أنَّ أزواج المتَّقين هنَّ أزواجٌ من الإناث وإن كان السِّياق في ظاهره عامَّاً ، قوله تبارك وتعالى { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } وقوله عزَّ وجلَّ { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فوصف أزواجهم بـ( المطهَّرة ) والمطهَّرة والمطهَّرات