اليورانيوم الخام,معلومات عن اليورانيوم
اليورانيوم الخام
هل الطاقة النووية مستدامة؟
يبين الجدول الآتي مخزون العالم من اليورانيوم وفق تقديرات عام 2007، حيث يتضح أن الكميات الأوفر هي تلك المتواجدة في استراليا وكازاخستان وروسيا وجنوب إفريقيا وكندا، ثم تتدرج إلى الولايات المتحدة الأمريكية فالبرازيل فناميبيا فالنيجر، ثم أوكرانيا حتى تصل إلى الأردن.
جدول مخزون العالم من اليورانيوم وفق تقديرات عام 2007
البلد طن اليورانيوم النسبة المئوية في العالم استراليا 1,243,000 23 % كازخستان 817,000 15 % روسيا 546,000 10 % جنوب أفريقيا 435,000 8 % كندا 423,000 8 % الولايات المتحدة الأمريكية 342,000 6 % البرازيل 278,000 5 % ناميبيا 275,000 5 % النيجر 274,000 5 % أوكرانيا 200,000 4 % الأردن 112,000 2 % أوزباكستان 111,000 2 % الهند 73,000 1 % الصين 68,000 1 % منغوليا 62,000 1 % دول أخرى 210,000 4 % المجموع العالمي 5,469,000
فيما يتعلـّـق بالطاقة النووية بوصفها مصدراً من مصادر الطاقة غير المتجددة وغير النظيفة وغير المستدامة، وبالرغم من توافر اليورانيوم بكميات معقولة في بعض دول العالم وعند أعماق قريبة من السطح، كما هي حال الكميات المكتشفة في الأردن (أنظر الجدول السابق)، حيث تبلغ حصة الأردن من احتياطي العالم نحو 2 %، فإن الخامات الجيدة محدودة في العالم، كذلك إن الكثير من الأبحاث العالمية في ضوء الأعداد المتوقعة للمفاعلات النووية في العالم تشير إلى أن نضوب اليورانيوم بات وشيكاً.
وبالرغم مما يشير إليه الجدول أعلاه، فإنه قد اتضح أن هذه التوقعات مبالغ فيها، فالكميات المتوافرة للتعدين أقل بكثير مما ذكر في الجدول أعلاه. كما أدت حادثة فوكوشيما إلى ضعف الطلب على اليورانيوم، وبالتالي انخفاض سعره، الأمر الذي جعل من "حد القطع" Cut-off Grade الذي يستثني الأقل تركيزا من ذلك يرتفع في المناجم، ففيما كانت تدرس الجدوى الاقتصادية لتركيز خامات اليورانيوم لنحو مئة جزء بالمليون من أكسيد اليورانيوم، فإن حد القطع تجاوز المئة جزء بالمليون بكثير بعد كارثة فوكوشيما. إذ يجب أن يترافق ذكر كميات المادة الخام لليورانيوم بمحتواها من أكسيد اليورانيوم U3O8، فعلى سبيل المثال فإن الكميات مهما كبرت وكان محتواها من أكسيد اليورانيوم أقل من مئة جزء بالمليون فإنها يشار إليها ما دون النسبة التي تستحق التعدين Cut-off Grade؛ ويحددها البعض بمئة جزء بالمليون. وهذه هي حال اليورانيوم في الأردن(1).
لقد تم أخذ 304 عينات من خام اليورانيوم في الأردن، وتراوحت محتواها من 7.4 جزء بالمليون إلى 998 جزء بالمليون؛ وكان الوسط الحسابي لها 84.1 جزء بالمليون(2). وبناء عليه فإن المعلومات التي تصلنا من كميات اليورانيوم في العالم لا تشير إلى حقيقة نوعية المادة الخام؛ وبالتالي فإن مسألة استدامة عنصر اليورانيوم لتشغيل المفاعلات النووية قضية في غاية الأهمية.
يلاحظ في الشكل الآتي أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان تتصدر قائمة المفاعلات النووية القائمة اليوم في العالم، تليها كوريا وبريطانيا وكندا وألمانيا والهند وأوكرانيا والصين والسويد. أما الدول التي يتراوح عدد مفاعلاتها النووية بين 4 – 8 مفاعلات فهي إسبانيا وبلجيكا والتشيك وسلوفاكيا وسويسرا وفنلندا وهنغاريا. أما باقي الدول في الشكل فتمتلك مفاعلاً أو اثنين في أحسن الأحوال. إن المفاعلات النووية المنتشرة اليوم في العالم والتي وصل عددها إلى 440 مفاعل عامل ، تنتج 2525 تريليون واط ساعة من الطاقة الكهربائية سنوياً وتستهلك حوالى 66658 طن من اليورانيوم الطبيعي، الأمر الذي سوف يؤدي إلى نضوب الاحتياطي العالمي من اليورانيوم خلال 53 سنة، على افتراض أن كميات اليورانيوم القابلة للتعدين بربحية معقولة تقترب من أربعة ملايين طناً. وهذه الفترة تتزامن مع تاريخ نضوب النفط على صعيد عالمي. وربما سيكون نضوب اليورانيوم أسرع إذا اتجهت المفاعلات النووية لإنتاج غاز الهيدروجين لتزويد مركبات المستقبل بهذا الغاز الذي يتولد عن احتراقه ماء صافي(4)، أو ربما لتحلية المياه لغايات سد حاجة بعض الدول الماسة لمياه الشرب. إذ سوف يتسارع نضوب المادة الخام بوتيرة أعلى إذا تم استخدام الكهرباء لتحلية مياه البحر، وبخاصة في ضوء التغيرات المناخية التي تواجه الكرة الأرضية اليوم وارتفاع درجة الحرارة وشح مياه الشرب وزيادة عدد السكان وما إلى ذلك.
هذه إحدى الدراسات فقط والتي أفضت إلى تلك التوقعات، ولكن، إذا افترضنا أن العالم العربي وحده مقدم على إقامة العشرات من المفاعلات في الإمارات العربية المتحدة، الأردن، مصر، العربية السعودية، المغرب، الكويت، ليبيا، الجزائر، سوريا، قطر والسودان(5)، وذلك في العقدين القادمين، فيمكننا تخيل العدد النهائي للمفاعلات في العالم بأسره، والذي ربما يزيد عن الألفين بعد عشرين عاماً، وهذا بدوره يعني أن نضوب اليورانيوم سيكون في غضون 30 – 35 عاماً، بدلاً من 53 عاماً كما اقترح الباحثون المشار إليهم سابقاً، وهذا يؤكد أن الطاقة النووية التقليدية هي طاقة غير مستدامة، ليس على صعيد احتكار التكنولوجيا العلمية والأعباء الإستراتيجية الأمنية فحسب، إنما على صعيد نضوب المادة الخام أيضاً.
ويلاحظ في الشكل أعلاه أن المفاعلات النووية قيد الإنشاء في العالم تتمركز في الدول الصناعية الصاعدة التي تحقق نمواً اقتصادياً عالياً، كالهند وروسيا والصين، كذلك فإن المفاعلات التي تم الموافقة على إنشائها تتمركز في اليابان والصين وكوريا الجنوبية، وهي دول صناعية متقدمة وغنية أيضاً، فضلاً عن أن المفاعلات المقترحة في المستقبل تتمركز بشكل أساسي في الهند والصين وروسيا. وهذا يشير إلى حاجة تلك الدول الماسة للطاقة، بغض النظر عن المخاطر التي قد تنجم عن ذلك.
وفي ضوء ما سلف فإنه ينبغي أن ندرك تمام الإدراك أن تلك الدول متقدمة تكنولوجياً ولديها موارد هائلة وليست بحاجة لاستيراد التكنولوجيا، الأمر الذي يبقيها خارج سوار التبعية والمديونية. وبالمقابل، فإن الدول النامية، والتي ترزح تحت عبء المديونية والافتقار إلى القاعدة العلمية والتكنولوجية المتطورة، ليست مؤهلة تماماً لاستقطاب هذه الاستثمارات، وبخاصة في ضوء إمكانيات عظيمة متاحة للطاقة المتجددة النظيفة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية في جوف الأرض والطاقة الحرارية والحركية الموجودة في البحار والمحيطات وغيرها.
وفي ضوء صعوبة تعدين اليورانيوم بمرور الوقت وذلك بفعل نضوب الخامات السطحية الجيدة وزيادة تكلفة الوقود وكمية المياه المستخدمة للتعدين، فإن أسعاره سوف ترتفع، وإذا ما شرع العالم في بناء مئات المفاعلات النووية في المستقبل القريب (الصين وحدها تنوي بناء 28 مفاعلاً إضافياً بحلول عام 2020)(7)، وإذا ما نضب المخزون من يورانيوم الأسلحة النووية القديمة، فإن استهلاك العالم من اليورانيوم اليوم الذي يتجاوز 64,000 – 70,000 طناً سوف يتضاعف عدة مرات في المستقبل القريب، ليصل إلى 320,000 طن سنوياً. وهذا يعني أن اليورانيوم في العالم آنذاك لن يكفي لأكثر من 12.5 سنة(8)، وذلك ابتداءً من نهاية هذا العقد؛ أي أننا نتحدث عن ثلاثينيات هذا القرن عندما سوف يشرع اليورانيوم في النضوب.
ونحن نميل إلى موافقة الرأي الأخير على اعتبار أن ما هو متوافر من أكسيد اليورانيوم الخام في العالم هو نحو خمسة ملايين طناً، أكثر من 20 % منه من النوعيات الفقيرة بأكسيد اليورانيوم ولا تستحق التعدين.
لاحظ في الجدول الآتي أن إنتاج العالم من اليورانيوم في عام 2005 قد تجاوز 41000 طناً، ومن المتوقع أن يتجاوز ثلاثمئة ألف طن نحو نهاية هذا العقد وفقاً للتقديرات الأخيرة.
كميات إنتاج اليورانيوم بالطن على صعيد العالم (2002 – 2005)
البلد 2002 2003 2004 2005 كندا 11,604 10,457 11,597 11,628 أستراليا 6,854 7,572 8,982 9,519 كازخستان 2,800 3,300 3,719 4,357 روسيا 2,900 3,150 3,200 3,431 ناميبيا 2,333 2,036 3,038 3,147 النيجر 3,075 3,143 3,282 3,093 أوزباكستان 1,860 1,598 2,016 2,300 الولايات المتحدة الأمريكية 919 779 846 1,039 أوكرانيا 800 800 800 800 الصين 730 750 750 750 جنوب أفريقيا 824 758 755 674 جمهورية التشيك 465 452 412 408 الهند 230 230 230 230 رومانيا 90 90 90 90 ألمانيا 212 150 150 77 الباكستان 38 45 45 45 فرنسا 20 0 7 7 البرازيل 270 310 300 0 المجموع العالمي 36,063 35,613 40,219 41,595
في ضوء سرعة نضوب خامات أكسيد اليورانيوم، حيث ازدادت كميات الإنتاج في عام 2004، على سبيل المثال، نحو 13 % عن إنتاج العام الذي سبقه، كما يتضح في الشكل الأخير. ومن الملاحظ كذلك أن سعر أكسيد اليورانيوم U3O8 يتذبذب صعوداً وهبوطاً، كما يتضح من الشكل اللاحق، حيث يصعب التنبؤ بأسعاره في المستقبل.
يعود سبب هذا التذبذب إلى عوامل كثيرة، ربما يكون ارتفاع سعر برميل النفط في عام 2008 إلى نحو 150 دولارا سبباً من عديد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر اليورانيوم الخام، حيث تحتاج صناعة تعدين اليورانيوم إلى طاقة كبيرة تتمثل في مشتقات نفطية تدير آليات ومعدات التعدين الضخمة، فضلاً عن مضخات كبيرة للمياه تستهلك الكهرباء والنفط ونحو ذلك من مصادر الطاقة التقليدية.
أما بالنسبة للمادة الخام وتعدينها، فإنها على الأرجح سوف تصبح غير مجدية في المستقبل، لأن الربحية الحقيقية تكمن في التخصيب وليس في التعدين، كما هي حال أغلب المواد الخام في العالم، الأمر الذي يجعل من الدول المتقدمة صاحبة الاحتكار لسعر هذه السلعة، كما هي الحال في أغلب الصناعات المتقدمة، حيث تترك الصناعات الثقيلة الملوثة للبيئة للدول النامية فيما تحتفظ الدول المتقدمة بامتيازات "صناعة المعرفة" النظيفة والتي لا تحتاج إلى كثرة في الأيدي العاملة والتي تحقق أرباحاً خيالية.
وبناء عليه، فإن معدل سعر الكيلوغرام الواحد لم يتجاوز في نهاية عام 2009 نحو 100 دولاراً، بينما تكلفة معالجة النفايات النووية المستنفذة تتراوح بين 1000 – 2000 دولار للكيلوغرام الواحد(9). هذا هو الفرق بين سعر المادة الخام والتكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها الدول المتقدمة التي لا تقل عن عشر مرات سعر المادة الخام!
ولن نغفل عن الإشارة إلى ارتفاع احتمالية نشوب الخلافات والنزاعات التي ربما تقود إلى الحروب بين الدول نتيجة الانخراط في الصناعة النووية، حتى لو كانت لأغراض سلمية، لأن النفايات النووية يمكن استخدامها في صناعة الأسلحة أيضا، بينما مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، كطاقة الشمس وطاقة الرياح، فلا يتنازع عليها أحد لأنها متوافرة في كل مكان. والحروب وعدم الاستقرار السياسي من الأسباب التي تسهم في عدم استدامة الصناعة النووية.
وحول الكوارث الطبيعية فحدث ولا حرج، من زلازل وتسونامي وغيرها، وكذلك الحروب بين الدول الذي يتصدره إرهاب الدولة، فلن ننسى تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي، وأخيراً المفاعل النووي السوري المزعوم في دير الزور، فضلاً عن أن الإضرابات العمالية قد تشل العمل في أي منشأة نووية، وبخاصة لأن الخبرات التي يمتلكها الفنيون العاملون في المرافق النووية مميزة ومن الصعب استبدالها بسهولة.
لذلك، قد يلجأ العاملون في المفاعلات النووية إلى التلويح بالتوقف عن العمل لزيادة رواتبهم وتحسين امتيازاتهم والتأمين على حياتهم وصحتهم من الأمراض الخبيثة. وهذا أيضاً يجعل استدامة الصناعة النووية مستحيلة، سواء خلال التعدين أم في مراحل الانشطار النووي.
أما التعدين والتخصيب فله مشاكله الخاصة من مخاطر وتلويث عشوائي، وكذلك الإشراف من قبل الهيئة النووية الدولية التابعة للأمم المتحدة التي تعمل وفق مخططات ترسم لها مسبقاً تشجع وضع "مسمار جحا" (المفاعلات النووية) في مختلف مناطق العالم لتصبح حجة للتدخل والإشراف على شؤون تلك البلاد.
والأهم من ذلك كله المخاطر الناجمة عن المفاعلات النووية؛ الخطر المباشر الناجم عن الإشعاعات التي يتم التخلص منها بطرق إرادية أو غير إرادية، فضلاً عن الضرر الذي يمكن أن يصيب السكان في المناطق المجاورة، سواء حدثت كارثة أو لم تحدث؛ فإذا أضفنا الضرر المتوقع والمحتمل على المياه السطحية والجوفية والهواء والثروة الحيوانية والنباتية، إلى جانب أهم عناصر البيئة، وهو الإنسان، وكذلك زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان والأمراض والتشوهات الأخرى، فما هي التكلفة الإضافية التي سوف تصبح عندها أسعار الطاقة النووية والتي سوف تجعل منها مشاريع غير مستدامة على الإطلاق؟
يبين الشكل أعلاه أن إضافة رأس المال إلى تكلفة الطاقة الكهربائية المستمدة من المفاعلات النووية التي تعمل بالانشطار النووية يؤدي إلى تغير جوهري في التكلفة، حيث تتصدر الطاقة النووية أعلى تكلفة مقارنة بغيرها؛ ويتضح من الشكل الأخير أنها مرشحة للارتفاع أكثر، وبخاصة في ضوء زيادة أقساط التأمين على المنشآت النووية للتمكن من دفع تعويضات للمتضررين، كما حدث في تشرنوبل عام 1986 وفي فوكوشيما عام 2011، إذ بلغت التقديرات الأولية للتعويضات التي سوف تدفعها شركة الكهرباء في اليابان نحو 245 مليار دولار.
لاحظ كذلك أن هناك معياراً آخر لم يوضح في الشكل، وهو مقدار التلوث الناجم عن تعدين اليورانيوم، وهذا الأمر يتم تدارسه الآن، بعد اجتماع كوبنهاجن عام 2009 واجتماع كانكون في المكسيك عام 2010، ففي ضوء ضبابية تجديد اتفاقية كيوتو 2012 يتردد في أروقة الأمم المتحدة، وفي أدراج الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أنه ينبغي أن تفرض ضريبة على المصادر الملوثة للطاقة؛ ربما تكون نحو 60 دولاراً للطن الواحد من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع أن تدخل قيد النفاذ نحو نهاية عام 2012؛ عند ذاك، فإن أسعار الطاقة النووية والطاقة المولدة من الفحم التي تطلق في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 50 طناً من الزئبق سنوياً، سوف تصبح من أكثر أنواع الطاقة تكلفة؛ وعند ذاك يحق لنا الإدعاء بأنها طاقة غير مستدامة على الإطلاق!
وبالمقابل، يمكننا التنبه من الشكل الأخير أيضاً أن هناك طاقة منخفضة التكاليف تقع في العمود الأول إلى يمين الشكل؛ إنها تشير إلى زيادة كفاءَة استخدامات الطاقة، فماذا فعلنا نحن بعد صدور قرار رئيس الوزراء بترشيد الطاقة في المؤسسات العامة، وما مدى الوفر الذي حققته الدوائر المختلفة في خفض تكاليف فواتير الكهرباء؟ وإلى أي مدى منعنا التهرب من الالتزام بتطبيق كودات البناء الوطني الأردني؟ ولماذا ما تزال الأبنية تقام من دون سماكة كافية للعزل الحراري في الجدران والأسقف، حتى بعد صدور كودات البناء الوطني الحديث لعام 2009؟
إن فوائد رأس المال المزعوم والمخصص للمفاعلات النووية من شأنه أن يؤسس لمشاريع طاقة نظيفة مستدامة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن سداد ديون 10 مليار دولار سنوياً هي وحدها كافية لإنشاء محطة لتوليد الطاقة من الرياح تغطي احتياجات الأردن المتزايدة في السنوات القادمة.
ويلاحظ في الشكل الأخير أيضاً انخفاض تكلفة الطاقة الكهربائية المستمدة من طاقة الرياح مقارنة بالطاقة النووية، وبخاصة من حيث رأس المال اللازم للمشروع، ومن حيث كلفة التشغيل والصيانة وانتفاء الحاجة إلى وقود، لأن وقود طاقة الرياح وقود مجاني، وكذلك وقود مصانع توليد الطاقة من أشعة الشمس، أما وقود الطاقة النووية فيتم إنتاجه على حساب صحة البشر ومستقبلهم وقوت أبنائهم وتلويث مياههم وهدرها، وربما على حساب التغير في الصفات الوراثية والتشوهات الخلقية. فمن الذي يتحمل مسؤولية ذلك كله؟
في عصر الإنترنت المذهل هذا، وعندما نحصل على المعلومات شبه العلمية من المصادر الكثيرة والشبكات العنكبوتية اللامتناهية، فإنه يستوجب علينا تدقيق النظر في مصداقية هذه المعلومات وإدراك حدودها، فمثلاً: عندما ننظر إلى بعض الأشكال في مراجع المعلومات، نظن لوهلة أن سعر إنتاج الكيلوواط ساعة من الكهرباء من الطاقة النووية إلى جانب الكهرباء المولدة من الفحم الحجري هي أقل أنواع الطاقة تكلفة وتتراوح بين 2 – 3 سنت دولار أمريكي، وذلك وفق أسعار عام 2009، فيما يرتفع سعر توليد الطاقة بالغاز الطبيعي إلى 5 سنت لكل كيلوواط ساعة، كما يخبرنا الشكل ذاته.
ولكن إذا دققنا النظر في الملاحظة الصغيرة الواقعة أدنى الشكل الأخير والتي بالكاد يمكن قراءتها، نجد أن هذه الأسعار تشمل التشغيل والصيانة والوقود فقط، ولكنها لا تشتمل على أي تكلفة غير مباشرة ولا تشتمل كذلك على رأس المال اللازم للمشروع، فماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن كلفة استملاك الأراضي وبناء خطوط المياه للتبريد وبناء المفاعل والطرق والبنية التحتية المطلوبة، فضلاً عن إعادة تأهيل الموقع بعد انتهاء مدة عمل المفاعل؛ كلها تكلفة لم تدخل ضمن حساب سعر الكيلو واط من الكهرباء. فلا تدخل في أسعار التكلفة إعادة التأهيل للموقع التي تستلزم تنظيف الموقع والتربة من المواد المشعة وأي مخلفات لمياه مشعة ومواد كيميائية ذائبة في مياه التبريد، وكذلك تعني معالجة النفايات النووية وتخزينها لآلاف السنين في مواقع حصينة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تأخر انجاز مشاريع الطاقة النووية في العالم فإننا نجد التكلفة ترتفع باضطراد، حالها حال أي مشروع صغير، كالمنازل مثلاً، إذ تبدأ تقديرات المهندس من سعر محدد ما، وعندما ينتهي البناء يكون السعر قد تضاعف، أو ربما يتوقف المشروع لنضوب التمويل المالي!
هذا فيما يتعلق بتكاليف إنشاء محطة الطاقة النووية التي تجاوزت 10 مليارات دولار في الكثير من المفاعلات العالمية التي تصل قدرته إلى 1جيجاواط (وفي أغلب الأحيان لا تصل قدرة الإنتاج إلى تلك القيمة إلا عند فترات الحمل الأقصى)، أما التكلفة غير المباشرة المشار إليها في الشكل الأخير فهي تكلفة تأمين الحوادث والكوارث الطبيعية والحروب والإضرابات العمالية وانقطاع المدد من الوقود أو شحه أو ربما نضوبه قريبا؛ وفي حالة المفاعلات النووية فإن الحوادث التي يحتمل أن يتعرض لها المفاعل لا تعد ولا تحصى، وقد بدأت منذ الخمسينيات في مفاعل نووي جبال الأورال في الاتحاد السوفياتي السابق عام 1957 وكان آخرها كارثة فوكوشيما- دايتشي/ اليابان إثر زلزال 11/3/2011؛ وقد كنا قد تحدثنا عن الحوادث النووية في الفصل الأول من هذا الكتاب.
جدول استهلاك مناجم اليورانيوم من المياه والطاقة
محتوى الخامات% U3O8 اسم منجم اليورانيوم استهلاك الطاقة استهلاك المياه GJ/t U3O8 KL/t U3O8 181 + 18 46.2 + 8.2 0.28-0.35 Ranger 1,389 + 336 2,899 + 503 0.064-0.114 Olympic (100%) 278 + 67 580 + 101 Olympic (20%) 354 + 35 863 + 107 0.034-0.041 Rossing 194 365 2.71 Cluff Lake 202 + 25 257 + 62 1.45-2.29 McLean Lake 172 + 29 7,731 + 802 0.18 Beverley 204 ----------- 0.2-0.5 Niger 178 ----------- 0.9-4.0 Cameco
ويلاحظ في الجدول أعلاه كميات الطاقة الكبيرة والتلويث العظيم الذي يصاحب تعدين اليورانيوم، كما نلاحظ كميات المياه الهائلة التي يحتاجها إنتاج الطن الواحد من أكسيد اليورانيوم، وبخاصة في المناطق الصحراوية، كبلادنا؛ إذ يمكن ملاحظة الكميات الكبيرة من المياه التي يحتاجها إنتاج الطن الواحد من أكسيد اليورانيوم في مناجم أوليمبك وبيفرلي في أستراليا لكل طن من أكسيد اليورانيوم(10)، فهل يمكن القول إن صناعة اليورانيوم مستدامة في ضوء هذا الهدر الكبير للطاقة والمياه وفي ظل التلويث العظيم للبيئة؟
التلويث الناجم عن تصنيع اليورانيوم!
عندما يدّعي البعض أن الطاقة النووية أقل تلويثاً للجو من باقي مصادر الطاقة، يرد الباحثان المتخصصان لومن وسميث عليهما بالقول إنه عند وجود مادة اليورانيوم الخام بنسبة تركيز قليلة من أكسيد اليورانيوم U3O8، أي 0.1 %، مثلاً، فإن مفاعل نووي ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة أقل من محطة توليد كهرباء تعمل على الغاز وتنتج كمية الطاقة نفسها من الكهرباء، ولكن بعد تسع سنوات على الأقل من بداية تشغيل المحطة، وذلك نتيجة التلويث العظيم الناجم عن تعدين اليورانيوم وتصنيعه وتخصيبه ليكون وقوداً نووياً للمحطة، كذلك نتيجة بناء المفاعل نفسه وما تنفث نشاطات البناء المتنوعة وتصنيع مواد البناء من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وفي حال استخدام نوعيات أفضل من اليورانيوم الخام، على الأقل بتركيز 0.2% من أكسيد اليورانيوم U3O8، فإن الطاقة المبذولة في تعدين اليورانيوم وتخصيبه هي أقل بكثير من الكهرباء التي تنتجها المحطة، ولكن المحطة النووية يجب أن تعمل نحو سبع سنوات لتنتج ما تم إنفاقه من طاقة.
أما إذا تدنت النسبة عن ذلك (أي عن 0.1 %)، وعند توافر خامات فقيرة بأكسيد اليورانيوم، فإن المفاعل يكون قد أنتج كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال مراحل تصنيع الوقود وبناء المنشآت المرتبطة به بما يساوي ما تنتجه محطات توليد الكهرباء التقليدية التي تعمل على الوقود الأحفوري(11). وهذا يسقط مقولة أن الطاقة النووية طاقة نظيفة وذلك في حال الخامات الفقيرة؛ ولما كانت الخامات الجيدة سوف تنفذ قريباً فإننا نستطيع القول إن الطاقة النووية باتت ملوث كبير للبيئة.
أما في حال طاقة الرياح فإن إنتاج الكهرباء يتجاوز الطاقة المبذولة بعد 3 – 6 أشهر فقط من الإنتاج. وهذا دليل جديد على نظافة واستدامة الطاقة المستمدة من الرياح(12). أما القول إن توربينات الرياح تشوه البيئة وتصدر أصواتاً مزعجة، فإن سكان ساحل Gaspé الكندي، حيث توجد أعظم وأضخم التوربينات في العالم، يقولون إنها منسجمة مع البيئة تماماً وأخذنا نتصورها كأشجار ضخمة لا تصدر أصواتاً تزيد عن زمهرير العواصف والرياح الشديدة.
وإذا نظرنا إلى الشكل الآتي فإننا ندرك أن إنتاج جنوب إفريقيا ونامبيا تحديداً، فضلاً عن إنتاج بعض دول العالم الأخرى من اليورانيوم، يقع عند أو دون نسبة 0.1%(13). ونعتقد أن خامات الأردن من اليورانيوم تنخرط ضمن هذه المعايير المتدنية، وأقل بكثير، إلى أن يثبت عكس ذلك. ولكن، ماذا بشأن نوعية الخامات المتواجدة في أنحاء العالم المترامية الأطراف، وما هو معدل تركيز أكسيد اليورانيوم على صعيد عالمي؟
في نهاية الخمسينيات كان تركيز أكسيد اليورانيوم U3O8 في خامات اليورانيوم المتواجدة في مناجم الولايات المتحدة الأمريكية نحو 0.28 %، بينما في التسعينيات تدنى هذا التركيز ليتراوح بين 0.07 – 0.11%. وتعتبر كندا هي الدولة الوحيدة التي تتحسن فيها نوعية خام اليورانيوم نتيجة الاكتشافات الجديدة في الآونة الأخيرة لنوعيات ممتازة. ولكن، يبدو أن هذه الاكتشافات لم تؤثر كثيراً على معدل التركيز العالمي في العقود الخمسة الأخيرة، حيث تتراوح بين 0.05– 0.13 %(14).
وهذا يعني أنه بمرور الوقت سوف تنخفض تركيزات أكسيد اليورانيوم في العالم، وبالتالي سوف تزيد صناعة إنتاج الطاقة النووية من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، الأمر الذي سوف ينجم عنه تعاظم تلويث الغلاف الجوي للكرة الأرضية بالغازات الدفيئة التي اتفق العلماء أنها السبب الرئيس للتغير المناخي الحالي الذي نعاني منه اليوم فضلاً عن أنه يهدد بقاء الحياة برمتها على سطح هذه البسيطة خلال هذا القرن، وذلك إذا لم يتفق العالم على إجراءَات حاسمة بهذا الشأن.
وقد أثبتت اجتماعات الأمم المتحدة حول التغير المناخي في كوبنهاجن عام 2009 وفي كانكون بالمكسيك عام 2010 أن الأمر يسير على غير ما يأمله العالم، بل هناك اتجاه لعدم تجديد اتفاقية كيوتو عام 2012، فيما شرع العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الاستعداد للتكيف مع هذه الظاهرة وليس الحد منها!
ففي ضوء ضبابية تجديد اتفاقية كيوتو 2012 يتردد في أروقة الأمم المتحدة، وفي أدراج الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أنه ينبغي أن تفرض ضريبة على المصادر الملوثة للطاقة؛ ربما تكون نحو 60 دولاراً للطن الواحد من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع أن تدخل قيد النفاذ نحو نهاية عام 2012؛ عند ذاك، فإن أسعار الطاقة النووية والطاقة المولدة من الفحم التي تطلق في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 50 طناً من الزئبق سنوياً، سوف تصبح من أكثر أنواع الطاقة تكلفة.
ويمكننا ملاحظة توقعات شركة نفطية عالمية في الشكل أعلاه، هي من كبرى الشركات النفطية في العالم "إكسون"، حيث تتوقع في عام 2025 أن تكون أسعار الطاقة المولدة من الرياح أقل أنواع الطاقة تكلفة على الإطلاق؛ طبعاً، مقارنة بالطاقة النووية والفحم والغاز والطاقة الشمسية، وبخاصة في حال فرض ضريبة إضافية على إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون.
ويلاحظ أن الضريبة الإضافية لم تؤثر على إنتاج الطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها من الشمس والرياح لأنها غير ملوثة للبيئة أصلاً، ولم تؤثر كذلك على سعر الطاقة المولدة من الفحم، وذلك إذا تم اعتماد تقانة التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون ودفنه في مستودعات أرضية عميقة (وهذه قضية أخرى بحاجة إلى حسن نظر لضمان اجتناب مخاطر ذلك في المستقبل). وحتى في الحالة التي لا تفرض عندها ضريبة غازات الدفيئة على الفحم، فإن سعر طاقة الرياح سوف يساوي سعر أقل أنواع الوقود الأحفوري تكلفة، وهو الفحم.
ولكن من اللافت أن الشكل لا يبدي اهتماماً بحجم التلوث وإطلاق غازات ثاني أكسيد الكربون وغاز الرادون وجسيمات أكاسيد اليورانيوم في الأجواء نتيجة تعدين اليورانيوم. ولذلك نحذر من قصور هذه الدراسة أيضاً عن إدراك مدى التلويث الذي يحدث في العالم إذا قمنا بالاستثمار في تعدين اليورانيوم، وبخاصة عندما تكون الخامات فقيرة بأكاسيد اليورانيوم، كما هي الحال في الأردن، حيث تقل نسبة أكاسيد اليورانيوم U3O8 عن مئة جزء بالمليون، وهذا ما يجعل تلويث المفاعلات النووية للكرة الأرضية عند مستوى تلويث محطات حرارية تعمل على وقود الديزل السيء السمعة عندنا.
ومن المعلوم اليوم أن النوعيات الجيدة التركيز من اليورانيوم تتواجد في مناطق محدودة من العالم، في كندا وكازاخستان، ونسبة بسيطة منه من إنتاج أستراليا وروسيا
ويصل الإنتاج الأسترالي من اليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية بكميات كبيرة، كما يتضح من الشكل السابق؛ فإلى أي مدى يمكننا اعتبار إنتاج الطاقة من المفاعلات النووية طاقة نظيفة طالما أن نوعية الخامات في أستراليا رديئة في مجملها؟
وتؤكد تلك التخوفات بشأن حجم التلوث الناجم عن الصناعة النووية في العالم أبحاث نشرت في مجلة Australian Science؛ إذ تؤكد الدراسات أن إنتاج الكعكة الصفراء U3O8 وتحويلها إلى غاز UF6 وزيادة تركز U-235 وتحويل الغاز إلى مسحوق أكسيد اليورانيوم وكبسه في أنابيب الوقود؛ كلها عمليات تنتج ثاني أكسيد الكربون(16)، فضلاً عن أن إنشاء البنية التحتية للمحطة النووية والأبنية الضرورية لها والتحصينات المرافقة لها وتعدين اليورانيوم وتشغيل المحطة وصيانتها وخزن الوقود وإعادة تدويره وإدارة النفايات وتخزينها لأمد طويل، وكذلك تفكيك المحطة عندما ينتهي عمرها التشغيلي.
هذه الإجراءَات كلها تؤدي إلى تلويث كبير في الجو وأعباء مالية ومخاطر عظيمة على الأجيال القادمة. ويستدعي الواجب الأخلاقي، والشعور الوطني والالتزام بحقوق الأجيال التي لم تلد بعد، أن يتوقف الإنسان طويلاً وهو يتأمل هذه الظاهرة التي باتت هاجساً عظيماً عند الكثير من الدول.
ويبين الشكل الأخير نسب إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون نتيجة كل مرحلة من مراحل إنتاج الوقود الذري، بدءَاً من التعدين والتحويل والتخصيب حتى صناعة الوقود النووي. ويلاحظ أن مراحل تخصيب اليورانيوم لا تقل تلويثاً عن مراحل التعدين، إذ تكافئ مساهمتها نحو 46 % من عمليات التلويث برمتها.
إن ما يجعل الطاقة النووية غير مستدامة هو احتمالية نضوب المادة الخام (اليورانيوم) أسرع مما كان متوقعاً نتيجة طموحات عظيمة خارج أوروبا لبناء المفاعلات، وبخاصة في الصين وآسيا بعامة. كذلك فإن خامات الفوسفات التي تحتوي على اليورانيوم بنسب قليلة جداً سوف تصل إلى قمة عطائها بعد نحو 30 عاماً، ثم تشرع في النزول(17). ويمكن إنتاج اليورانيوم من ماء البحار ولكنه يوجد بتركيز 7- 10 × 2، وعليه، فإن الطاقة المبذولة في إنتاجه أعلى بكثير من الطاقة الكهربائية التي سيولدها في المستقبل.
خلاصة القول إن العلماء يتوقعون أن استخدام اليورانيوم بالتركيز المرتفع لإنتاج 16 % من حاجة العالم من الكهرباء، على نحو ما هو عليه اليوم، سوف يؤدي إلى استنزاف مخزون اليورانيوم عالي التركيز ونضوبه في غضون 19 عاماً(18)، وهو توقع يقترب من الرقم 12.5 عاماً الذي أشرنا إليه سابقاً، الأمر الذي سوف يساهم في رفع تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في المستقبل القريب، وربما يؤدي إلى توقف المفاعلات عن العمل. وفي حال الاتجاه صوب استخدام الخامات الفقيرة باليورانيوم فإن تلويث العالم سوف يزداد، ناهيك بزيادة عدد المفاعلات النووية في المستقبل القريب وزيادة الطلب على اليورانيوم، الأمر الذي سوف يزيد من المشكلة تعقيداً.
وإذا عرفنا أن مدة إنشاء المحطة النووية يستغرق نحو 6 – 10 سنوات في الحد الأدنى، فإن نضوب المادة الخام بعد ذلك في غضون 12.5 – 19 عاماً، كما اتضح من هذه الدراسة، يعني أن اليورانيوم سوف يكون متوافراً بأسعار معقولة لمدة 10– 20 سنة فقط عند تشغيله المفترض في عام 2020، فماذا بشأن عمره التشغيلي الذي يفترض أن يخدم نحو ستين عاماً أو أكثر؟ ألن تصبح تكلفة إنتاج الطاقة من هذه المشاريع مكلفة جداً؟
وفي حال الاتجاه صوب استخدام الخامات الفقيرة باليورانيوم، فإن تلويث العالم سوف يزداد، ناهيك بزيادة عدد المفاعلات النووية في المستقبل القريب وزيادة الطلب على اليورانيوم، الأمر الذي سوف يزيد من المشكلة تعقيداً. فهل ما زال البعض يعتقدون أن الطاقة النووية طاقة نظيفة ومستدامة وقليلة التكلفة؟
ولماذا يتوقف العالم بعد اتفاقية مونتريال عام 1985 عن إنتاج مركبات الكلوروفلوروكربون التي تؤدي إلى اضمحلال طبقة الأوزون، ولكنها تزيد من فعالية ظاهرة الانحباس الحراري؟ ولماذا يتوقف العالم عن إنتاج الأسبست وتعدينه عام 1999 لأضراره الصحية البعيدة المدى على الصحة، فيما يسمح بفتح مواقع جديدة لتعدين اليورانيوم وإنشاء المفاعلات النووية المعرضة لكوارث إشعاعية ستظل أضرارها باقية لملايين السنين؟
جدول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مناجم اليورانيوم
انبعاثات ثاني أكسيد الكربون محتوى الخام
% U3O8مناجم اليورانيوم t CO2/t U3O8 13.0 + 1.8 0.28-0.35 Ranger 253 + 67 0.064-0.114 Olympic (100%) 50.6 + 13.5 Olympic (20%) 45.3 + 4.1 0.034-0.041 Rossing 12.1 2.71 Cluff Lake 8.4 + 1.2 1.45-2.29 McLean Lake 8.9 + 1.5 0.18 Beverley ----------- 0.2-0.5 Niger ----------- 0.9-4.0 Cameco
يلاحظ في الجدول أعلاه نوعية تركيز أكسيد اليورانيوم في الخامات المختلفة التابعة لمواقع تعدين متعددة في العالم، واللافت حجم التلويث الناجم عن تعدين اليورانيوم، إذ يطلق الطن الواحد من أكسيد اليورانيوم U3O8 أكثر من 300 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في بعض الحالات، كما في مناجم تعدين ألومبيك في أستراليا. كما يلاحظ أيضاً أنه كلما تحسنت نوعية الخامات قلت كميات المياه المستخدمة وقلت كذلك كميات ثاني أكسيد الكربون والطاقة المستهلكة في استخلاص الكعكة الصفراء.
ولكن تعدين اليورانيوم لا ينجم عنه انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وحسب، إنما فضلات كثيرة لا تعد ولا تحصى، من أهمها الحوامض التي تستعمل لإذابة الصخور، كحامض الكبريتيك، وكذلك الكاز المستخدم كمذيب والماء الهيدروجيني Hydrogen Peroxideوالكلس Lime وما إلى ذلك.
إن الإجراءَات الاحترازية من شأنها خفض الأضرار الناجمة عن أي كوراث؛ فمثلاً، انطلقت تحذيرات بين عامي 1898- 1906 تحذر من مخاطر الأسبست على الصحة، ولكن أياً من الإجراءَات الاحترازية لم يتم اتخاذها؛ وبناء عليه، واستناداً إلى دراسة هولندية، فإن وقف التعامل مع الأسبست عام 1965 بدلاً من عام 1993 عندما أصدرت الحكومة قانوناً بذلك، كان بإمكانه تجنب إصابة 34000 إنسان بالمرض القاتل، وأيضاً كان بإمكانه توفير 19 بليون يورو على الدولة التي أنفقت ذلك المبلغ الضخم لتنظيف المصانع ودفع التعويضات للمتضررين ) . وهذه هي شركة كهرباء اليابان تخصص مبلغ 25 بليون دولار، كدفعة أولى من تعويضات للمتضررين من كارثة فوكوشيما التي قد تزيد عن 245 مليار دولار.
وقد نشرت أبحاث علمية تطبيقية درست حالات الإصابة بالسرطان لدى سكان المناطق القريبة من مناجم التعدين، ففي الفترة الواقعة بين 1969 – 1993 تم دراسة شعب النفاجو Navajo الذين يعيشون بالقرب من مناجم تعدين اليورانيوم في نيومكسيكو وأريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، واتضح في النهاية أنه تزايدت احتمالية الإصابة بالسرطان 286 مرة أكثر من الأشخاص الذين كانوا بعيدين عن مناجم تعدين اليورانيوم .
وبناء عليه، ألا ينبغي أن نستخدم أسلوب الإجراء الاحترازي في منع إقامة المفاعلات النووية أو فتح مناجم تعدين اليورانيوم؟
المصدر ميكانيكا وتكنولوجيا