قبل ان ندخل في البحث .. لنجيب عن بعض الاسئلة
ما هي نظرية التطور؟
نظرية التطور تنص على أن كل الكائنات الحية على مر الزمان تنحدر من أسلاف مشتركة، و إن هذا التطور يكون عبر عملية تدعى (الانتخاب الطبيعي) .. الانتخاب الطبيعي يعني ببساطة، إن الكائنات الحية التي لا تستطيع التكيف مع البيئة، تموت، وينقطع نسلها، واما تلك التي تستطيع التكيف (وحماية نفسها من الموت) فستبقى وتتناسل وبالتالي تصل إلى يومنا هذا، من خلال الميزات التي اكتسبتها. لذلك هو (بقاء الاصلح) وليس (تطورا في جسم الكائن)، هذا مشروح في كتاب (اصل الانواع) لداروين مع كثير من التفاصيل العلمية.
المسلمين .. يبغضون نظرية داروين ... ويعتبرونها كفرا والحادا ، في الغالب النظرية يتم رفضها جملة وتفصيل من قبل المسلمين لسببين:
- في نظرهم، إن هذه النظرية تلغي وجود الخالق، او على الاقل تنفي الكثير من المفاهيم التي يتصورون انها اساس دينهم
- مشكلة (القرابة مع القردة) التي تشعرهم بالاهانة.
الملحدين (الذين يتخذون الالحاد مذهبا، مثل السنة والشيعة، وليس حالة فكرية) من جهة اخرى يقدسون هذه النظرية ومبتدعها وكأنها الفيصل بينهم وبين المسلمين (انا ملحد، اذن انا اؤمن بنظرية التطور، وان كنت لم اقرأ سطرا منها)
في هذه المقالة .. اود فقط ان اشرح فقط بعض الامور . واترك الحكم للقارئ
المسالة الاولى - كيف بدأت الحياة
على الرغم من إن نظرية التطور تشرح بالتفصيل كيفية تطور الحياة بداية من الميكروبات البسيطة (في جذر شجرة الكائنات الحية)، وصولا إلى الانسان الكامل (في احد فروعها) إلا إن داروين (بتعمد) لم يقل شيئا عن (اصل الحياة) نفسه، .. يعني كيف بدأت الحياة، او كيف تحول الـ (لا حياة) إلى (حياة) .. بل هو يشرح التطور الذي حصل بعد ان اوجدت حالة الحياة الاولى، فداروين هنا بريء من التهمة التي نسبت إليه، .. وهي اعتقاده إن الطبيعة هي التي خلقت الحياة، او إن الحياة خلقت بالصدفة، نظريته لا تناقش ذلك ، وفي ذلك نظريات علمية اخرى ليست له..
لذلك على الملحدين ان لا يعتزوا كثيرا بداروين، فليس صديقهم تماما
وكذلك على المسلمين ان لا يكرهوا كثيرا هذا الشخص، فليس عدوهم تماما
المسألة الثانية - قضية القرابة مع القردة
في الحقيقة القردة كائنات حية معقدة جدا، وهي (بوعيها وشبهها النسبي مع الانسان) تكون اكثر تعقيدا من كثير من الكائنات الحية الاخرى .. ولا اعرف بالضبط لماذا هذا الخجل (إن صحت تلك القرابة) من الموضوع .. بل إنه قد جاء في القرآن (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) .. فاذا كان الله لا يستحي ان يضرب مثلا بالبعوضة، فلماذا نخجل من قرابة مع القردة ؟ فإن البعوضة تلك يعجز العلم عن صناعة خلية واحد من خلاياها .. فما بالك بالقردة
هذا من جهة، من جهة اخرى إن نظرية التطور في كتاب داروين (اصل الانواع) لم تناقش تطور البشر .. ولم تربط النظرية بين البشر وبين القردة، على خلاف ما يتردد هنا وهناك
العلم لا يكذب .. نظرية التطور تحمل في ثناياها صحة كبيرة جدا .. معظم ما قاله داروين قبل اكثر من 150 عام صحيح للغاية عن تطور الكائنات والانتخاب الطبيعي، بالضبط كما صحت نظريات اخرى عديدة للعلماء في مجالات الفيزياء والكيمياء والفلك والكم، .. ومن المستحيل ان تكون كل تلك الكائنات الحية قد ظهرت فجأة .. فالاحفوريات قد اثبتت إن الكثير من الكائنات انقرضت بسبب عدم ملائمتها لبيئتها ، و عاشت تلك التي استطاعت ان تنجو وتتناسل لتصل إلى يومنا هذا ..بل إن البشر (كما اثبت الدراسات) يشتركون في كثير من الصفات مع الفئران والقردة وكل الكائنات الحية حتى النباتات .. كل ذلك موجود في الـ DNA الذي هو سلسلة طويلة معقدة من الرموز الموجودة في نواة كل خلية، ومسؤولة عن نقل الصفات الوراثية من كائن إلى أخر، و هذا الـ DNA يتشابه (على الاقل في فكرته) بين جميع الكائنات الحية ، من البكتريا البسيطة، وصولا إلى الانسان المعقد
في رأيي الشخصي (ورأي بعض العلماء المسلمين الحداثويين) ، إن الحلقة المفقودة (التي لم يناقشها داروين) في نظرية التطور، وهي (ولادة الحياة او اصل الحياة، او التحول من لا حياة إلى حياة) هي التي يجب ان يرتكز عليها المسلمون في نظرية "الخلق" فالمسلمين يعتقدون إن الله قد خلق كل شيء، ولكن طريقة خلقه ليس "ايجاد كل شيء فجأة" بل جعلها عملية تبدأ من نقطة معينة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم.
هذا ينطبق ليس فقط على اصل الحياة (الذي لم يستطع العلماء ايجاد تفسير له لغاية اليوم) .. بل ايضا في اصل الكون (الذي لم يكون بحالته الحالية هذه فجأة) بل العلم اثبت انه بدأ من انفجار كبير جدا منذ اكثر من 13 مليار سنة .. الفكرة هنا .. كيف بدأ هذا الانفجار وكيف تمخضت عنه تلك القوانين والنجوم والكواكب، ولا مشكلة إذا قلنا إن الله قد "بدأ" كل ذلك من العدم، لكي ياخذ كل شيء مجراه الطبيعي في الاحداث لغاية اليوم
وينطبق ايضا على قضية (نشوء الوعي) او التحول من حالة (اللاوعي او اللاذكاء) إلى حالة (الوعي والذكاء) .. فهذه ربما ايضا حلقة مفقودة عند العلماء .. .. فالدراسات اثبتت إن البشر موجودين (وتطوروا) منذ ملايين السنوات، هذا ما تدل عليها الحفريات والبقايا، واقدم كائن بشري ربما يكون قبل مليون سنة ... ولكن (الانسان) نفسه الذي يمتلك الوعي والذكاء نشأ بعد ذلك بكثير ..المسلمين يعتقدون إن الوعي قد خلق بواسطة الله .. ولا ارى تعارضا ايضا مع العلم، فإن العلماء لا يعرفون حل معضلة الوعي عند الانسان لغاية اليوم.
الفكرة هنا .. إنه عندما ياتي المتدين المتعصب، فيسند بعض الامور إلى (خلق الله) ويكتفي بذلك .. فإن هذا بالتالي سيغلق الباب اما المزيد من البحث العلمي، كما فعلت الكنيسة بالضبط في القرون الوسطى عندما احرقت العلماء وعذبت اخرين، إلى ان استطاعت الحضارة الغربية التخلص من تلك القيود، والاعتماد على العلم .. لذلك الحضارة المادية الغربية متقدمة كثيرا على واقع المسلمين اليوم،
بالنسبة للمسلم (او الذي يعتقد بوجود الخالق عموما) المشكلة فقط في تحديد ما هو دور الله، و ما هو دور القوانين التي اوجدها الله، فإذا وضع كل شيء في نصابه، عندها يكون في الطريق الصحيح.
شكرا