تكنولوجيا واعدة لإنتاج الوقود من الهواء


يسعى العلماء للتخلص من ثاني أكسيد الكربون في الهواء عبر تحويله إلى وقود يمكن الاستفادة منه (الأوروبية)


يشكل تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض مشكلة بيئية معقدة، حيث أدى ذلك إلى إحداث تغيرات واضحة في النظام المناخي على سطح الأرض، وتشير الدراسات المناخية إلى أن تركيز هذا الغاز في ازدياد مستمر حيث تجاوز مؤخرا 400 جزء من المليون.
لقد سعى كثير من العلماء والباحثين إلى إيجاد حلول ناجحة للحد من تراكم الغاز الكربوني في جو الأرض، ومنها إيجاد طرق لدفنه في باطن الأرض، وتطوير تقنيات لتوليد طاقة صديقة للبيئة لا تتسبب بانبعاث هذا الغاز المسبب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري، كما سعى فريق آخر من الباحثين إلى الاستفادة من هذا الغاز وتحويله إلى وقود يمكن الاستفادة منه لإنتاج الطاقة وتشغيل وسائط النقل.
محفزات واعدة
ومؤخرا أعلن فريق من الباحثين من جامعة "ستانفورد" في ولاية كاليفورنيا الأميركية عن تمكنهم من إنتاج وقود الميثانول من غاز ثاني أكسيد الكربون، وذلك بالاستعانة بمحفز كيميائي
(Catalyst) واعد، استطاع اختزال الغاز الكربوني إلى الميثانول تحت ضغط عادي، وذلك بعد أن تم اختبار عدد كبير من المحفزات، حيث تبين أن أحد المحفزات والذي يتكون من النيكل والجاليوم أثبت قدرة متميزة وكفاءة جيدة على إجراء عملية الاختزال لغاز ثاني أكسيد الكربون.
وحول المحفز الكيميائي المستخدم، بين الباحث "ينس نورشكوف" من جامعة "ستانفورد" أن مركب Ni5Ga3 استطاع إنتاج كمية أكبر من الميثانول مقارنة بالأنواع التقليدية من المحفزات وتحت ضغط طبيعي، وفي هذه العملية جرى اختزال غاز ثاني أكسيد الكربون واستخدام غاز الهيدروجين المنتج بواسطة الطاقة الشمسية لتصنيع الميثانول الذي يعد من مصادر الطاقة المتجددة ويستخدم كوقود في خلايا الوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية.
كذلك فقد سعى فريق من الباحثين من جامعة "ألينوي" في شيكاغو إلى إيجاد طريقة لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى وقود، حيث طوروا نوعين جديدين من المحفزات لتسهيل عملية التحويل والتي كانت تتطلب في العادة مقادير كبيرة من الطاقة وتكون غير مجدية اقتصاديا ويصعب تطبيقها بشكل تجاري.
وحسب ما صرح به فريق البحث، فإن المحفزين الجديدين استطاعا تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أول أكسيد الكربون ومن ثم تم تحويل المركب الأخير إلى جازولين ومركبات كيميائية أخرى، علما بأن أحد المحفزين يتكون من الفضة غالية الثمن، أما الثاني فهو عبارة عن ألياف من الكربون، وحسب ما أعلنه بروفيسور الهندسة الميكانيكية "أمين صالحي" في جامعة "ألينوي" فإنه يستلزم إجراء مزيد من الأبحاث والتجارب لتطوير هذه الطريقة بحيث يمكن تطبيقها على نطاق تجاري.
من جهة أخرى أعلنت شركة "إيميتيك" الألمانية عن تمكنها من إنتاج وقود الجازولين بتفاعل غاز ثاني أكسيد الكربون مع الهيدروجين، وقد قدمت الشركة طلبا للحصول على براءة اختراع تمهيدا لإقامة مشروع خاص بها لإنتاج الوقود على نطاق تجاري.
وبينت الشركة أن عملية الإنتاج تتم على أكثر من مرحلة، حيث يتم إنتاج الميثانول السائل في البداية، والذي يعتبر مادة أولية لإنتاج أنواع أخرى من الوقود بما فيها الجازولين المستخدم في السيارات، أما الهيدروجين الذي سوف تستخدمه شركة "إيميتيك" فسوف يتم إنتاجه من مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الناتجة من الرياح التي يتم توليدها بواسطة مراوح منصوبة في البحار والمحيطات، أما الغاز الكربوني فإن الشركة تسعى حاليا للتعاون مع بعض الشركات التي تلتقط هذا الغاز وتخزنه في أعماق الأرض بهدف التخلص منه ومنع وصوله إلى الغلاف الجوي، كما هو الحال في ولايتي "براندنبورغ" و "ساكسونيا-أنهالت" اللتين تقعان في شمالي شرقي ألمانيا.
عملية فيشر-تروبش
إن تقنية معالجة الغازات بغية إنتاج الوقود تعتمد على سلسلة من التفاعلات الكيميائية، تبدأ بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أول أكسيد الكربون والذي يتفاعل مع الهيدروجين الذي يتم الحصول عليه من الماء بهدف الحصول على هيدروكربونات سائلة، وهذه الطريقة الكيميائية تعتمد أساسا على عملية " فيشر-تروبش" التي تعود إلى عام 1925، وقد طورها العالمان الألمانيان "فرانز فيشر" و"هانز تروبش".
وقد استعملت عدة شركات عالمية هذه الطريقة لإنتاج غاز الاصطناع منذ القرن الماضي، ومنها شركة "ساسول" للطاقة في جنوب أفريقيا والتي تنتج جازولين السيارات والديزل من غاز الاصطناع الذي يتم الحصول عليه من الفحم، حيث يحول في البداية إلى فحم الكوك وتستخلص منه السوائل الطيارة والقطران ثم يسخن مع بخار الماء لإنتاج "غاز الماء" الذي يعالج كيميائيا بوجود عوامل مساعدة لإنتاج الجازولين وزيت الوقود وبعض المركبات الهيدروكربونية الثقيلة.
اعتبارات بيئية
واجه استخدام المحاصيل الزراعية كالذرة وقصب السكر وغيرهما لإنتاج وقود الإيثانول، انتقادات حادة نظرا لأن إنتاج هذا الوقود يكون على حساب سلة الغذاء لملايين الأشخاص وخصوصا في الدول النامية، كما أن زراعة هذه المحاصيل لغايات استخراج الوقود الحيوي منها يتسبب في استهلاك كميات كبيرة من المياه والمخصبات وأيضا مساحات زراعية شاسعة، علما بأن الولايات المتحدة الأميركية تتصدر دول العالم في إنتاج الإيثانول من المحاصيل الزراعية وخصوصا الذرة تليها البرازيل.
وتعد طريقة اختزال الغاز الكربوني لإنتاج بعض أنواع الوقود الهيدروكربوني، من الطرق الواعدة لتقليل الاعتماد على المحاصيل الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي، كما أنها تسهم في الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة.
ويتوقع العلماء أن تساعد هذه الطريقة في خفض نسبة الغاز الكربوني المتراكمة في الغلاف الجوي من خلال الاستفادة من الغاز المنبعث من محطات توليد الطاقة الكهربائية التقليدية وآبار التنقيب عن الغاز الطبيعي، بحيث يتم جمع تلك الكميات الضخمة من الغاز الكربوني ومعالجتها كيميائيا للحصول على وقود متجدد ونظيف، يسهم في تلبية حاجات الإنسان المتزايدة من الطاقة مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، كالشمس والرياح وغيرهما من المصادر الصديقة للبيئة.


المصدر : الجزيرة