يبدو أنَّ الماء النقيّ هامٌ جدًا عند البشر، فنجد شركات تصنيع الماء المعبأ تضع كلمة نقيٍّ قبل كلمة نظيفٍ أو منعش، كما تكسب شركات مرشحات الماء مليارات الدولارات حول العالم من خلال الوعود بتنقية ماء الصنبور من كل الشوائب ليكون في صورته النقية تمامًا، حتى أنه يوجد فرعٌ كاملٌ من الطب البديل، مبنيٌّ على تخيلاتٍ لما ستبدو عليه الخصائص السحرية للماء النقيّ للغاية.
ولكنّ الحقيقة أن الماء النقي غير موجودٍ بالفعل، أو على وجه الدقة، لا يمكن الحصول عليه على كوكب الأرض.
وكما توضح ماي نايمان (May Nyman) أستاذة الكيمياء بجامعة ولاية أوريجون، أن الماء يمتص الأيونات (ذراتٌ فقدت أو اكتسبت الكتروناتٍ مغيرةً من شحنتها الكهربية المتعادلة لتكون مشحونةً بشحنةٍ سالبةٍ أو موجبة) بسرعةٍ شديدةٍ من البيئة المحيطة به ولذلك لا يمكن أن نحصل فعلًاعلى ماءٍ نقيٍّ تمامًا.
وتؤكد نايمان:« من المستحيل أن يتواجد الماء النقي.»
وتقول أيضاً: «إن الماء يميل إلى إذابة المواد الأخرى داخله، وذلك لأن جزيئات الماء تمتلك شكلًا غريبًا يشبه شخصية الرسوم المتحركة (ميكي ماوس)، بحيث تكون هناك ذرتا هيدروجين في طرف، وذرة أكسجين في الطرف الآخر، ولكلٍ منهما شحنةٌ كهربائيةٌ مختلفة.»
تَستخدم جزيئات الماء هذه الشحنات من خلال الروابط الهيدروجينية للتفاعل وللترابط مع جزيئات الماء المجاورة، ولكن ترتبط كذلك (بسبب نفس الروابط) مع الجزيئات التي تتواجد في طريقها، لذلك فمن المُرجَّح أن يُذيب الماء أجزاءً من أي مادةٍ تتواجد ضمنه.
وكلما كان الماء أكثر نقاءً كلما زادت قدرته على إذابة الأيونات لأي مادة تقابله.
وهذا السبب يحدُّ من قدرة العلماء على إنتاج ماءٍ نقيٍّ تمامًا، لأنه وبعد نقطةٍ محددة، سيبدأ الماء بإذابة جدران الإناء الذي يحويه.
من أكثر الادعاءات انتشارًا في دوائر علم الكيمياء هو ذلك الذي يخص بحيرة بايكال في روسيا، والتي تعجُّ بنوعٍ من القريدس الذي يعمل كمُرشحٍ للماء حيث يقوم بالتغذي على كل المواد العضوية في الماء.
وتقول نايمان: «في التسعينات، كان معروفًا عن بحيرة بايكال أن ماءها نقيٌّ جدًا، لدرجة أنه إذا أخذت كأسًا من هذا الماء، فإنه سيبدأ بحفر الكأس الموضوع داخله! ذلك لأن الماء شَرِهٌ للأيونات فإنه سيقوم بإذابة بعض الأيونات من الزجاج.»
وتضيف: «إن هذا التجاذب قويٌّ جدًا حتى أن العلماء قد فشلوا في التغلب عليه في معاملهم المعقمة، لأن أي ذرة غبارٍ أو أي إناءٍ بلاستيكيٍ سيلامس عينة الماء النقيّ جدًا سيترك خلفه أثراً داخل الماء.»
نادرًا ما نحتاج إلى ماءٍ نقيٍّ بالكامل، لذلك فإن معظم صنابير الماء المنزلية في الولايات المتحدة على سبيل المثال، (معظمها وليس جميعها) هي آمنةٌ تمامًا للشرب برغم تفاوت الطعم بينها، وحتى بالنسبة للأبحاث العلمية التي تتطلب ماءً نظيفًا جدًا، فإنه من السهل تقطير الماء للدرجة التي تبقى فيها كميةٌ قليلةٌ من الشوائب، والتي لن تتسبب في أية مشاكل للتجربة العملية.
أما بخصوص السؤال عن وجود ماءٍ نقيٍّ بالكامل فعلياً؟
فالجواب هو: بالطبع لايوجد.