ياسين الهاشمي




ياسين الهاشمي 1884 - 1937


ولد ياسين في بغداد عام 1884 في حي شعبي من احياء بغداد يعرف باسم البارودية ونشا في اسرة متواضعة وكان ابوه السيد سليمان مختارا لذلك الحي وقد سافر ياسين بعد ان اكمل دراسته الاولية الى الاستانة حيث التحق بالمعاهد العسكرية وبعد ان تخرج فيها ضابطا اشترك في الحروب التي نشأت قبيل الحرب العالمية الاولى ولاسيما في حرب غاليسيا..

حيث اظهر شجاعة فائقة منحه بسببها امبراطور ألمانيا وليلام غلوب وساماً من الدرجة الاولى وقد تأثر ياسين كغيره من ابناء جيله بالدعوة العربية وانتسب الى جمعية العهد السرية وعمل في حكومة الشام العربية رئيساً للمجلس العربي كما تولى تنظيم الجيش السوري وبعد ان انهار الحكم الفيصلي وجيء بفيصل ليكون ملكا على العراق قدم ياسين الى بغداد وظل يمارس عمله السياسي حتى قدر له ان يخرج من بغداد بعد الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي في التاسع والعشرين من تشرين الاول 1936 وان يموت في بيروت ليدفن في دمشق.


زعيم وطني ام سياسي عملي

*ماذا يمثل ياسين الهاشمي في تاريخ العراق السياسي ؟. واين تكمن أهمية الدور الذي أداه في حياته السياسية.
ـ يقول نجدت فتحي صفوت الذي يعمل على تدقيق الوثائق البريطانية المتعلقة في العراق.. يمثل ياسين الهاشمي في تاريخ العراق السياسي الحديث مدرسة خاصة وهو يذكر بعد ابتعاده عن مسرح الاحداث اليومية اربعين عاما زعيما وطنياً وسياسياً رفع لواء المعارضة وخاصم الانكليز وقاوم المعاهدة العراقية البريطانية بان كان في سياسته الطرف المناقض لمدرسة نوري السعيد الذي ظل اسمه لصيقاً بمولاته الإنكليز والسير على ركبهم وتبني السياسة القائلة ان مصالح العراق كانت تقتضي التحالف مع الانكليز والتعاون التام معهم على الدوام في جميع الحالات ومهما كان في هذين الحكمين من تعميم فانهما بقيا السمتين المتميزتين لهذين الرجلين اللذين كانا من ابرز الوجوه السياسية في العراق في العهد الملكي على ان ذلك التعميم الذي قد يكون جائزاً بالاحاديث السطحية لايجوز إطلاقه للدراسات التاريخية العلمية والسياسية فإنها ليست قاصرة على لونين اثنين لا ثالث لهما اسود كالح او ابيض ناصع وانما تقوم بين الاثنين ظلال تتفاوت بين الابيض والاسود درجات ودرجات. والسياسة في جميع الاوقات هي فن الممكن ولذلك اختلفت اساليب السياسيين العراقيين في العهد الملكي بين الإذعان للامر الواقع وقبول الاحتلال فالانتداب والمعاهدات والتعاون مع القوى المستعمرة وبين الرفض التام لكل وجود اجنبي ونفوذ دخيل وإن المطالبة بالجلاء الناجز والاستقلال التام انما اكسب الهاشمي سمعته كرجل وطني يعود الى سببين: الاول: مواقفه ضد الانكليز ومعارضته معاهدة 1930 . والثاني: النهاية المحزنة التي انتهى اليها وخروجه بالقوة بنتيجة انقلاب ووفاته بعيداً عن الوطن وليس بمقدور احد ان يتكهن بما كان سيسجله التاريخ عنه لو امتد به الاجل وعاد الى العمل السياسي.







ابن مختار محلة البارودية رئيساً للوزراء


واذا كان ياسين ونوري يمثلان قطبين متناقضين فكيف تعاونا في وزارة رشيد عالي الكيلاني سنة 1933 بل كيف ادخل ياسين خصم المعاهدة للدولة الذي بنى جانباً من سمعته في الاقل على مخاصمة نوري السعيد عاقدها المدافع الاول عن وزير الخارجية لوزارته الاخيرة الواقع ان حياة السياسيين السياسية لما تدرس بعد كما ينبغي لها ان تدرس ، ودور الهاشمي في التاريخ العراقي السياسي القريب يحتاج الى المزيد من التحليل .. فقد ظهرت في السنوات الاخيرة بعض الدراسات الجامعية التي خصصت لسيرته منها إطروحة الدكتوراه التي قدمتها الى جامعة هارفورد الامريكية الآنسة في بي مار واخرى لماجستير قدمها السيد سامي القيسي الى جامعة بغداد ونشرت بعد ذلك في كتاب. على ان هاتين الدراستين فيهما خلل كبير لعدم إفادتهما من الوثائق البريطانية التي تعتمد على مادة غزيرة عن ياسين الهاشمي وكانت تلك الوثائق غير مفتوحة حينما ولذلك مازال المجال واسعا لتقديم دراسات اخرى عن سيرة ياسين واعتقد ان حياة ياسين بعد ان ابتعد بدرجة تكفي لإصدار حكم موضوعي عليها يجب ان تكون موضع دراسات اخرى وفيها من الامثلة الكثيرة في الوطنية.


تتميز حياة ياسين الهاشمي السياسية بمواقف جريئة خدم فيها بلاده خدمة صادقة ولعل ابرز تلك المواقف موقفه من حل مشكلة الديوان العمومية العثمانية التي كان العراق يعاني وطأته بحكم المادة السابعة عشرة من اتفاقية المالية الملحقة بالمعاهدة العراقية البريطانية وبحكم معاهدة لوزان التي اعتمدت القاعدة الدولية التي تقضي بانتقال الديون العمومية الدولية المتجزئة الى الدول المنسلخة عنها كل حسب من يصيب منها.
بطبيعة الحال كان العراق بوصفه احدى الدول المنسلخة عن الامبراطورية العثمانية يتحمل نصيبه من تلك الديون ويقاسي من أعبائها لاسيما وهو في بداية تكوينه وقد استطاع الهاشمي عندما كان وزيراً للمالية في وزارة العسكري عام 1926 ان يلعب دورا جريئا لإنقاذ العراق من الديون الثقيلة التي تعوق تقدمه المالي وتعرقل نموه الاقتصادي فبادر بعد ان درس الموضوع دراسة كافية استوعب فيها المشكلة بكل تفاصيلها بشراء الاسهم المطروحة وبيعها بالاسواق العالمية بأسعار بخسة لإطفاء تلك الديون وتسديدها مرة واحدة.


وقد وازن الهاشمي بين هذه العوامل المختلفة التي تحيط بتلك القضية ولعله يتساءل ايهما أصلح للعراق ان ينتهز هذه الفرصة فيضرب ضربته وينقذ العراق من هذا الحمل الثقيل ام يتراجع مخافة ان يرمى بتهمة اخرى بأحكام الدستور؟ فرجح إنقاذ العراق وقدم على تلك المغامرة دون ان يخبر مجلس الوزراء ودون ان يرجع الى مجلس الامة وياخذ موافقته كما تقضي ذلك المادة 97 من الدستور العراقي الصادر عام 1925 التي تنص على انه لايجوز تخصيص راتب او إعطاء مكافأة او صرف شيء من اموال الخزينة العمومية لاي جهة الا بموجب القانون وقد اثارت هذه العملية ضجة واسعة عندما استقالت وزارة جعفر العسكري الذي كان الهاشمي وزيراً فيها واكتشفت وزارة عبد المحسن السعدون التي خلفتها هذه العملية التي اقدم عليها الهاشمي لاسيما ان نتائجها كانت مجهولة حيث لم يعرف هل يقبل مجلس الديوان العمومي وان عمله هذا شذوذ عن قانون يقضي على حكومة بلاده ان تسوق هذا الوزير الى الديوان العالمي لينظر هذا الديوان في امره ويقرر ما يقع عليه من تبعات.

وقد بوغت المجلس بمواقف ياسين الهاشمي بما انطوت عليه مبادرته من إقرار مخالفته الدستور وطلب بإحالة نفسه الى المحكمة العليا لمحاكمته عن تلك العملية فقرر المجلس تأليف لجنة برلمانية للتحقق بالامر ودرست تلك اللجنة القضية دراسة طويلة اسفرت عن عدم مسؤولية الهاشمي عن قيامه بتلك العملية
وان هناك فوائد العراق جراء اقدامه على ذلك العمل لاسيما بعد ان وافق مجلس الديوان العمومي على قبول تلك الاسهم ولاريب ان قيمة هذه المغامرة التي اقدم عليها الهاشمي تكمن في انها انقذت العراق من الدين الثقيل الذي يظل العراق مطالباً به حتى 1951 تبقى خلالها الموارد المالية للعراق من المارك الالماني والسكك تحت رقابة الهيئة الدولية المرتبطة بمجلس الديوان العمومي كضمانات لتسديد تلك الديون كما تقضي بذلك المعاهدة إضافة الى ان هذه العملية اكسبت العراق سمعة حسنة عززت من المركز المالي.






مواقفه وحدودية ثابته

يقول خالص عزمي ان عام 1912 يعتبر بداية انطلاقة الهاشمي بتأكيد هويته الوطنية والوحدوية من خلال جمعية العهد التي كانت تمثل الخط العسكري للحركة وجمعية الغربية الفتاة التي كانت تمثل الخط المدني لها فعلى هذين المسارين غذ الهاشمي الركب بحنكة وشجاعة وصبر مع تكتم شديد لكي يساهم في تغذية الفكرة للثورة العربية فلما جاءت الفرصة وقف في دمشق عند اجتماع الشخصيات العربية بفيصل الاول ليؤكد الاستعداد الكامل لإعلان الثورة على النطاقين الشعبي والعسكري وكانت مشاعر الهاشمي القومية قد تجلت عبر مواقف عدة اثناء وجوده في تركيا او سوريا وفلسطين وتبلورت في اول منهج يكتبه لجمعية (العهد العراقي) التي تزعمها حيث اكد استقلال العراق ضمن الوحدة العربية وكذلك المنشور الذي وزع باسمه على ابناء الشعب العراقي اثناء قيام لجنة الاستفتاء الامريكي بزيارة سوريا وعزمها على زيارة العراق.. وفي غضون ذلك نشر سلسلة من المقالات في جريدة نداء الشعب عام 1927 وكان تركيزه ينصب على المنطلقات الوحدوية في مجلس الثقافة والتربية فقد كتب يقول (ان على الحكومة ان تجعل المقام الارفع للغة البلاد العربية وتفرض استعمالها في جميع الدوائر والمصالح والمتاجر والمصانع.) وفي مقال آخر ركز على الجوانب المهمة في تاريخ الامة العربية حينما كتب يقول ( مادامت الاقطار العربية متحدة في تاريخها ومشاعرها ولغتها وطرق تفكيرها ومتضامنة في الرغبة في التقدم فلا بد من توحيد الطرق للتربية والتعليم فيها..)..

عرف الهاشمي طوال الفترة التي عاشها داخل الحكم او خارجه بمواقفه الايجابية ولولا تلك المواقف لما انتهجت حياته بذلك الشكل المحزن بعيدًا عن وطنه واهله.. ويروي الدكتور منير بكر جانباً من هذه المواقف.. عندما كان الهاشمي متصرفا (محافظا) للواء المنتفك كان على اتصال برجالات الحركة الوطنية يبادلها الرأي ويستشيرهم في قضايا عدة وقد وقعت واحدة من هذه الرسائل بيد مدير الامن العام آنذاك اسماعيل حقي الصفار وكانت موجهة الى رشيد ابو التمن جاء فيها: بلغ تحياتي الى جعفر جلبي واخبره بانني بانتظار أوامره وادعو الله ان يوفقنا لطرد المحتلين.. وقد نقل كوكس والمس بيل هذه الرسالة الى الملك فيصل الاول وكانت المس بيل منفعلة حين خاطبت الملك بعنف ووقاحة مدعية بانه لايمكن السكوت والتغاضي عن مثل هذه المراسلات مطلقا فرد الملك عليها مبرراً موقف ياسين (ان ستمائة سنة من العبودية لم تفسح له المجال الكافي له ولغيره من التصرف كأحرار حتى انا افعل الشيء نفسه لو كنت مكانه)..
يذكر ان الهاشمي بعد سقوط وزارته الاولى شكل حزب الشعب وضم بين صفوفه عدداً من الشخصيات التي عرفت بمواقفها البطولية والوطنية كالشبيبيين محمد رضا ومحمد باقر وعبد اللطيف الفلاحي وكان شعار الحزب ملائماً لتطلعات الشعب (الخلاص والتضامن والتضحية غاية اسعد للشعب وتأمين الاستقلال التام والسعي لانماء القوى الوطنية).. وقد تبنى الحزب الدفاع عن القضايا الخاصة بالامة العربية والوطن العربي وكان لزعيمه الهاشمي الفضل الاكبر في مواصلة النضال وتوجيه الشعب بما كان يكتبه في جريدة الحزب (نداء الشعب)









توفي سنة 1937 وقد اوصى ان يدفن بجانب قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي في الجامع الأموي بدمشق .