حين غفلة منَّا ونحن في البحث عن الذّات ، نتوه ما بين صعوبة المشوار وما بين الرّغبة الجامحة في الوصول الي محطات ومرافئ نشعر فيها بالأمان ، والاطمئنان والاستقرار النفسي. فجأة تصدمنا حقيقة تعاقب السنوات وتسارعها وتداخل شهورها وأيامها ، ولا نكاد نستشعر إنتهاء السنة إلاَّ لحظة ذكرى رأس ما بعدها ، وعندها فقط ندرك أنّنا كبرنا وبلغت أعمارنا سنةََ أخرى ما يجعلنا نتراجع حيث الوراء ، ونتباكى على أيام مضت ليس لأنه لا انجازات لنا فيها سابقة أو نجاحات تُذكر ، بل لأنّنا نحس بالخوف وتجتاحنا الهواجس من مُستقبل معتَم تحفّه كثير من المطبـّات والعقبات رغم كل ما يتملّكنا من آمال عريضة تضجّ بها جنبات أرواحنا وتخالج قلوبنا كثير من الأمنيات التي تلازمنا طول رحلة حياتنا ، فقليل منها تحقّق وبعضٌ منها نتوسّده كما الوسادة نحلم في ذات صباح رؤيتَها واقعاً ويظلّ الكثير منها في رفوف الإنتظار تترقّب دورها لعلها تجد من العمر ما يطول تحقيقها ، فيظلّ الحلم وتتساقط السّنين ومعها نتساقط عمريا ونُنهك جسدياً ومعنوياً ويبقي لنا في الله ثقة أن ما لم نَنله هنا سيكون في عوالم أخرى غير تلك الحياة الزائلة. فهكذا كانت وتكون الدنيا لحظات ولحظات كما وصفها الشاعر في تلك الأبيات :
" مرّت سنينٌ بالوِصــال وبالهنا *** فكأنّها من قصرها أيّام
ثمّ انثنت أيامُ هجــرٍ بعـدها *** فكأنّها من طولِـها أعوام
ثمّ انقضت تِلك السنونُ وأهلُها *** فكأنّها وكأنّهم أحلام "