بالصور.. حكاية شعيرة عمرها 5000 سنة وخلدت كفاح امرأة
عربية.نت ـ محمد الحربي
يحفظ المسلمون جميعاً جيداً، اسمي جبلين صغيرين متقابلين، هما الصفا والمروة، يقعان شرق #المسجد_الحرام، ويبعدان عن بعضهما مسافة 395 متراً تقريباً، بين بطحاء #مكة والمسجد.. فالسعي بينهما من شعائر #الحج و #العمرة.
الصفاء اسم يطلق على الحجر الأملس.. والصفا هو الذي يبدأ منه السعي في الحج والعمرة، ويبعد عن #الكعبة_المشرفة مسافة 130 متراً، وهو المكان الذي شهد إعلان الرسول دعوته لقريش إلى الإسلام، وفق ما ورد في كتب السيرة النبوية. كما أن "المروة" تتكون من حجارة بيضاء تسمى المرو، وهي براقة.
هاجر وإسماعيل في صحراء مكة
تعود جذور قصة "الصفا والمروة"، حسب إجماع المؤرخين، إلى الوراء بنحو خمسة آلاف عام تقريباً، تخليداً لكفاح السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم و(أم الذبيح إسماعيل) من أجل ولدها، فقد تركها النبي إبراهيم ومعها الطفل الصغير إسماعيل، وشيء من الزاد طعاماً وشراباً في صحراء مكة حيث لا زرع ولا ماء، ومضى نفاذاً لأمر إلهي تلقاه.
نادت هاجر على إبراهيم، وكررت النداء: أتتركنا وتذهب؟ فلم يلتفت إليها. فقالت له: هل أمرك الله بهذا؟ فردّ عليها: نعم.. فأجابت بلا تردد: إذاً لن يضيعنا الله.
كان طبيعياً، مع مرور الوقت، أن ينفد الماء والزاد بينما هاجر، وقد جف منها اللبن، لا تجد ما تروي به ظمأ طفلها (إسماعيل) الذي يتلوى جوعاً، وصراخه يدمي قلبها، فأسرعت بالصعود إلى جبل الصفا لعلها تجد منقذاً من الهلاك لها ولإسماعيل، لكنها لا ترى ولا تجد شيئاً، فتهبط من الصفا وتسرع بالصعود إلى قمة جبل المروة دون جدوى سبع مرات.
جبريل عليه السلام وماء زمزم
ولما بلغ منها التعب منتهاه بعث الله جبريل عليه السلام، فضرب الأرض بجناحه، فظهر الماء بجوار إسماعيل، لتهرول هاجر نحوه حامدةً وشاكرةً الله، وهي تغرف وتسقي ولدها كي تنقذه، قائلة: "زمّ الماء، زمّ الماء"، أي جرى الماء، ومن هنا كانت تسمية هذه العين بـ"زمزم".
وقد جعل الله تعالى من مسعى هاجر بين جبلي الصفا والمروة، شعيرة وركنا من أركان الحج.
قريش وأساف ونائلة وقمة الجبلين
من بين الأصنام، كانت قريش تضع الصنم "أساف" على قمة جبل الصفا، فيما "نائلة" فوق المروة، ويطوف القرشيون بالصفا والمروة، ويتمسحون بـ"أساف ونائلة"، ويتبركون بهما، ولما قدم الأنصار في السنة التاسعة من الهجرة مع الرسول للحج، كرهوا الطواف بين الصفا والمروة، لأنهما كانا من مشاعر قريش قبل الإسلام، فأنزل في سورة البقرة الآية الكريمة: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما".
قصي بن كلاب ودار الندوة
وكان قصي بن كلاب، أشهر كبار قبيلة قريش قبل الإسلام، هو أول من بنى البيوت حول الكعبة قبل #الإسلام، فبنى بيوتاً بين الصفا والمروة، وأقام "دار الندوة" في الجانب الشمالي، لتكون هذه الدار مقراً لاجتماعات شيوخ القبيلة وحكمائها للتشاور وإدارة شؤونهم.
وتشير المصادر التاريخية إلى تعرض جبلي الصفا والمروة للتكسير بمرور الزمن، ونتيجة لبناء البيوت والحوانيت وشق الطرق، كما انجرفت التربة بسبب السيول الهائلة التي أصابت مكة، دون أن تحدد هذه المصادر أول من قام بعملية التسوية بين الصفا والمروة، وتمهيدها وإزالة الحجارة بينهما، لأن أرض المسعى لم تكن معتدلة، بل كانت وادياً متعرجاً.
عبد الملك بن مروان والشريف حسين
وقد اهتم الخلفاء والأمراء بعمارة المسعى، ففي البداية لم يكن بين الصفا والمروة أي بناء سوى الصخور وبطحاء الوادي بينهما. وفي عهد عمر بن الخطاب بدأت التوسعة للمسعى، وبعده توالت التوسعات، فتمت إضافة القناديل بين الصفا والمروة في زمن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.
وقام الخليفة العباسي أبو عبدالله محمد المهدي بـ"توسعة عظيمة" للمسجد النبوي، وأول تسوية أرض المسعى، حسب ما يقرر بعض المؤرخين.
وفي عام 1335هـ، تم رصف ما بين الصفا والمروة، بعد أن كان ترابياً في السابق، وسقف المسعى على يد الشريف حسين.
وامتدت يد التطوير بشكل غير مسبوق للمسعى في العهد السعودي كما لم يحدث من قبل، حيث أمر الملك عبدالعزيز في عام 1345 بفرش المسعى بالحجارة منعاً لإثارة الغبار أثناء السعي، وكذلك سقف المسعى بطول 350 وعرض 20 متراً.
كما شهد المسجد الحرام بعد الملك المؤسس وحتى الآن، العديد من عمليات العمارة الهائلة للحرمين الشريفين، وإجراء أعظم التجهيزات والتطويرات لـ"المسعى" في تاريخه، حيث أقيمت فيه أدوار، وتجهيزه وتكييفه في سابقة لم يشهدها المسعي من قبل.