بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إن مفهوم الشهادة بأبعاده كافة قد نال مرتبة عالية ومقاماً شريفاً، وقد حدّد القرآن الكريم والسنة الشريفة مقام الشهداء عند الله عزَّ وجلَّ، وفضلهم حتى غدت الشهادة وسيلة القرب من رحمة الله تعالى، والفوز بمرضاته، فكان شهداء الإسلام منذ بدء الدعوة النبوية إلى يومنا هذا يشترون بالشهادة حياة الخلود والقرب الإلهي في دار الحيوان، دار الآخرة ويصنعون الحياة الطيبة والسعيدة للأمة من بعدها لكل الأحرار والشرفاء، فكيف إذا كانت هذه الدماء دماء أشرف البشر وسادتهم.
فالتضحية بالنفس هي أعلى أنواع التضحية، وفيها يجود المسلم بنفسه لله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى:﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمَُ﴾.
فهذا علي عليه السلام قد عاش مجاهداً شجاعاً وفاز بالشهادة ورب الكعبة كما أعلنها حين ضُرب بالسيف على رأسه.
وهذه الزهراء عليه السلام تنال شرف الشهادة دفاعاً عن دين الله تعالى، وعن نبيه وعن خليفته أمير المؤمنين عليه السلام .
وهذا حبيبها الحسن عليه السلام يعلن ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بدّ إذ التبس الحقّ بالباطل، وتسنّى للطغيان فيه سيطرة مسلّحة ضارية, ليستشهد مغدوراً بالسم بعد ذلك.
وهذا حبيبها الحسين عليه السلام يسقط شهيداً على درب جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأمه الصديقة عليها السلام ، دفاعاً عن مبادىء الرسالة الإسلامية وقيمها، التي حدّدها في مواجهة الأمويين، حيث أعلن ذلك الموقف الرسالي العظيم الذي يهزّ كيان الأمة، ويحثّّها أن لا تموت هواناً وذلاًّ، رافضاً بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية قائلاً: "إنّ مثلي لا يبايع مثله". وها هو يصرّح لأخيه محمد بن الحنفية مجسّداً ذلك الإباء بقوله عليه السلام : "يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية".
وعلى هذا النهج سار بقية الأئمة وأصحابهم وشيعتهم، فاهتدوا بهدي فاطمة عليها السلام وساروا في رحاب مدرسة الشهادة، وصنعت دماؤهم النصر على الظالمين وأعوانهم.