سيلفيا بلاث (1932 -1963)، شاعرة أمريكية وروائية وكاتبة قصص قصيرة. ولدت في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية ودرست في جامعة سميث وجامعة نيونهام في كامبريدج قبل أن تشتهر كشاعرة وكاتبة محترفة. تزوجت من الشاعر (تيد هيوز) في 1956 وعاشا أولاً في الولايات المتحدة قبل أن ينتقلا إلى بريطانيا.
في سنة 1975 قبل فوزها بجائزة بوليتزر بعشر سنوات تقريبًا وقبيل نشر يومياتها قامت والدتها بتعديلات على مجموعة رسائل كتبتها (بلاث) في سنوات مراهقتها إلى عائلتها ثم نشرتها في كتاب تحت مسمى (منزل الرسائل)
تجلّت فيها قوة العاطفة التي تمتعت بها روح الشاعرة، أترجم بعضًا منها هنا:
تقول (بلاث) في عمر السابعة عشر:
أشعر أن من الواجب علي أن أحافظ على كوني في سن السابعة عشر، كل يوم منه نفيس جدًا. أشعر بالحزن بمجرد تصوّر أن تفلت هذه اللحظات مني بعيدًا بينما أكبر في العمر. الآن! الآن هو الوقت المثالي في حياتي.
بالعودة إلى الستة عشر عامًا الماضية أرى المآسي والسعادة بشكل عشوائي، كلها لاتهم الآن، تصلح فقط للابتسام لذلك الغموض.
أظل أجهل نفسي، ربما لن أعرفها مطلقًا. لكنني أشعر بالحرية، غير مرتبطة بأي مسؤولية.
تشديدًا على رأي (سوزان سونتاج) حول أن “الكاتب مُراقِب وملاحظ احترافي بطبعه” تضيف (بلاث):
في اللحظة الراهنة، أشعر بالسعادة الشديدة، مستندة إلى طاولتي، ممعنة النظر إلى الأشجار العارية حول المنزل في الشارع المقابل. أريد دائمًا أن أكون مراقِبة، أريد أن تؤثر فيّ الحياة عميقًا لكن بدون أن تعميني عن رؤية وجودي في ضوء هزلي ساخر وأن أسخر من نفسي كما أسخر من الآخرين.
أخشى التقدم في السنّ، أخشى الزواج، أعفني من طبخ ثلاثة وجبات في اليوم، أعفني من سجن الروتين والتكرار القاسي.
وتكمل:
أريد أن أصبح حرة- حرة لأن أعرف الأشخاص وخلفياتهم- أن أتنقل إلى أجزاء مختلفة في العالم لأتعلم أن هنالك معايير وأخلاقيات غير تلك التي أنتمي إليها. أريد أن أصبح واسعة المعرفة، أعتقد أن بودّي تسمية نفسي “الفتاة التي أرادت أن تصبح إلها”. لكن، إن لم أكن في هذا الجسد أين يمكن أن أكون؟ ربّما من المقدّر لي أن أعيش مصنّفة ومؤهلة، لكني أحتج ضدّ ذلك! أنا قوية -لكن إلى أي مدى؟.
أحاول أن أضع نفسي مكان شخص آخر في بعض الأحيان وينتابني الرعب عند نجاحي في ذلك. كم هو فظيع أن أكون أي
شخص غير نفسي!
أحمل غرورًا رهيبًا. أحب جسدي، ووجهي، وأطرافي بتفانٍ غامر. أنا ملمّة بكوني “طويلة جدًا” و لدي أنف كبير، لكن رغم ذلك أظل أقف وأتزين أمام المرآة وأرى أكثر كم أنا جميلة. أقمت في دماغي صورة عن ذاتي -صورة جميلة ومثالية- أليست صورة خالية من العيوب – النفس الحقيقية؟ الكمال الحقيقي؟ أأنا أتوهم عندما تدس هذه الصورة نفسها بيني وبين المرآة التي لاترحم. (وحتى الآن أقوم بنظرة خاطفة على ماكتبته- يالحماقة ذلك، ياللمبالغة الدرامية.
تتسائل (بلاث) عما إذا كان سعيها للكمال سيثمر قائلة: “لن يحدث أبدًا، أبدًا أن أصل إلى الكمال الذي أطمح إليه بروحي. لوحاتي، قصائدي، حكاياتي، كلها انعكاسات ضعيفة”. وتتحدث عن خوفها من مواجهة سن النضج واتخاذ القرارات:
سيأتي وقت ما عليً فيه أن أواجه نفسي في نهاية الأمر. حتى في الوقت الحالي أخشى من اتخاذ القرارات العظمى التي تهدد حياتي. أي كلية؟ أي وظيفة؟ أنا خائفة أشعر بالحيرة. مالأفضل؟ ماذا أريد؟ لا أعلم. أحب الحرية. أستنكر القيود والتضييق. أنا لست حكيمة كما كنت أعتقد. أستطيع الآن رؤية الطرق المتاحة لأجلي -كما لو كنتُ في وادِ- ، لكن لا أستطيع رؤية النهاية ـ العواقب..
اه كم أحب الوقت الحالي بكل مخاوفي وشكوكي، لأني الآن لا أزال كما أنا، غير متشكلة كليًّا. للتو تبدأ حياتي. أنا قوية. أتوق لأن يصبح لدي سبب لأكرس كل طاقاتي لأجله…
ذلك السبب أصبح الكتابة. حسّ بالغرض جاء بشكل عفوي لبلاث. يتجلى هذا الغرض في واحدة من قصائدها المبكّرة كتبتها في ذات الوقت:
أنت تسألني لماذا أكتب طيلة عمري؟
هل أجد متعة في ذلك؟
هل تستحق العناء؟
والأهم، هل هي مربحة؟
إذا كان الجواب لا. هل هنالك سبب آخر؟أكتب فقط، لأن هنالك صوت ما
بداخلي لايكفّ.
وفي رسالة أخرى لوالدتها عام 1955 تعبّر فيها عن أهمية الكتابة في حياتها:
الكتابة هي الحب الأول في حياتي، عليّ أن أحيا بشكل جيّد، بترف، وفي مكان بعيد لكي أكتب. لن أصبح أبدًا كاتبة انطوائية كأغلب الأشخاص. لأن كتاباتي تعتمد كثيرًا على حياتي.
وفي شهر يوليو من عام 1956، تكتب (بلاث) لوالدتها في عمر الثالثة والعشرين خلال رحلتها إلى باريس مع زوجها (تيد) الذي قابلته خلال شهر فبراير وتزوجته في شهر يونيو:
كلانا ننسلخ برويّة من إرهاقنا العظيم، من الأحداث المدويّة خلال الشهر الفائت. وبعد حومنا في باريس نجلس، نكتب، نقرأ في تويليريس. كتب كلّ منا قصيدة جيدة، الأمر الضروري لرفع معنوياتنا الشخصية. ليست بتلك القصيدة أو الحكاية الرائعة ولكن على الأقل ساعات معدودة من الكتابة الصارمة في اليوم. شيء ما بداخل كلانا يحتاج إلى الكتابة لمدة طويلة يوميًا. وإلا لشعرنا بالبرودة تجاه الورق… نحن سعيدان حقًا حين نختلي بأنفسنا ونكتب نكتب نكتب. لم أعتقد يومًا أنني قد أنضج بهذه السرعة في حياتي حتى الآن. أظن أن السّر في ذلك هو أننا واقعين بشكل كلي في حب بعضنا البعض مما يجعل كتاباتنا خالية من كونها مجرد انعكاس للذات وإنما لوحة مؤثرة تعبر عن حياة الآخرين ومضيهم.