ديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة
الواقع ان الديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة،ولسنا بحاجة في هذا المقام إلى براهين وأدلة خاصة لإثبات العلاقة بين الديمقراطية وحرية التعبير وممارسة حق النقد العام لأنها علاقة مشهورة ومؤكدة نظريا وعمليا،
وحين يطالب الفرد بحقه في ممارسة حرية التعبير والنقد واحترام رأيه ومعتقداته فأنه يطالب بما هو مستحق له بوصفه عضواً في المجتمع.
وجاء في إعلان حقوق المواطن الفرنسي الوارد في مقدمة دستور سنة 1789 بالنص على انه ( ان ممثلي الشعب الفرنسي ، المجتمعين في جمعية وطنية ، قد راعهم الجهل ، والنسيان ، وعدم المبالاة بحقوق الإنسان ، باعتبارها سبب المآسي العامة وأساس فساد الحكومات . فقرروا النص في إعلان رسمي على حقوق الإنسان الطبيعية، المقدسة، غير القابلة للتصرف، حتى يكون هذا الإعلان ماثلا على الدوام في ذهن أعضاء الجسم الاجتماعي ، يذكرهم أبدا بحقوقهم وواجباتهم ….
المادة الاولى : يولد الناس ويظلون أحرارا ومتساوين في الحقوق ولا تقوم التمييزات الاجتماعية إلا على أساس من المنفعة العامة .
المادة الثانية :ان الغاية من كل تجمع سياسي حفظ حقوق الإنسان الطبيعية غير القابلة للتقادم . هذه الحقوق هي الحرية، والملكية، والأمن، ومقاومـة الطغيـان…. )(3)
وقد تبنى ميثاق منظمة الأمم المتحدة موضوع إشاعة قيم الحرية وحرية التعبير والرأي بمختلف صورها ووسائلها، وتوجت ثمرة الجهود الدولية في هذا المجال بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، وجاء في المادة (19) منه ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).
ويلاحظ الباحثون ان الأمم المتحدة وان سارت خطوات متقدمة في مجال دعم الحريات العامة وإشاعة ثقافتها نظرياً بين الشعوب من خلال اتفاقيات دولية وتوصيات لمؤتمرات عديدة، إلا أنها لم تتبنى دعم الوجه الآخر وهو الوجه العملي لهذه الحريات ونقصد به دعم الشرعية الديمقراطية، ففي الوقت الذي نص فيه الإعلان العالمي في الفقرة الثالثة من المادة الحادية والعشرين على انه:
( إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة, ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دوريةتجري علي أساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب رأي إجراء مماثليضمن حرية التصويت)، ولم يشر ميثاقها صراحة الى الصلة الوثيقة بين حقوق الإنسان والشرعية الديمقراطية ولم تتخذ هذه المنظمة تنفيذا لنصوص الإعلان العالمي أية مواقف تجاه الانقلابات العسكرية حتى ما كان مها في مواجهة أنظمة ديمقراطية ناشئة ولم تتعرض لبروز الديكتاتوريات وما ألحقته من مآس بحق العديد من الشعوب، وكان ذلك على أساس من فكرة كانت سائدة مفادها ان التعرض لهذه الشؤون يعد مساساً بالشؤون الداخلية للدولة، إلا ان تحولاً جذريا قد حصل بعد انتهاء الحرب الباردة والتطورات الحاصلة في فقه القانون الدولي الحديث، وبدأت منظمة الأمم المتحدة تخرج عن نطاق ما كانت تعتبره حيادا مغلبة معيار الشرعية الديمقراطية عندما أعلنت ان الديمقراطية ليست مجرد شعار وإنما هي أداة حتمية للتنمية الإنسانية أيضا وجاء في قرارها رقم 34/751 بتاريخ 8 كانون الاول من سنة1988أن إرادة الشعب التي تعكسها انتخابات نزيهة تجري دوريا هي أساس لسلطة وحكمالشعب. وان ( التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الاشتراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى)
وتناولالمؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا في يونيو عام 1993 هذا التكامل بينحقوق الإنسان والديمقراطية, ليثبت أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملةواحدة. وبهذا التحول الجوهري أضحت الشرعية الديمقراطية هدفاً عمليا من أهداف الأمم المتحدة ومنظماتها الذي تجسد في أشراف المنظمة على الانتخابات الوطنية والاستفتاءات الشعبية في مختلف أنحاء العالم ومنها العراق، أثناء الانتخابات والمراحل اللاحقة لها وذلك (بغية ضمان استمرار وترسيخ عملية إقامة الديمقراطية في الدولة العضوالتي تطلب الحصول علي مساعدة).(4)
وانسجاما مع السعي الجاد لإنشاء نظام سياسي ديمقراطي يحترم الحريات العامة نصت المادة (38) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005على انه: ( تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:
أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل .
ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً : حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون).
وجاء في المادة (42): (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة).
بينما نصت المادة (46): ( لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية).
ويستفاد من النصوص المتقدمة ان مشرعنا قد اعترف ضمناً بجميع أنواع الحريات المتعلقة بالتعبير والنقد والبحث العلمي والأدبي وأية حرية أخرى تعترف بها المواثيق الدولية لأنه لم يقيدها إلا بقيد ان لا تكون مخالفة للنظام العام الآداب العامة.
ويراد بحرية الرأي حق الفرد في التعبير عن أفكاره سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية او دينية بالوسائل والصور المختلفة دون حاجة الى موافقة او ترخيص سابق ولو انفرد برأيه، لذلك يقول فولتير (إني استنكر ما تقوله ولكني أدافع حتى الموت عن حقك في قوله) (5)
ويقصد بحرية الصحافة حق الأفراد في إصدار الصحف او المجلات او اية مطبوعات دون رقابة من السلطة العامة.
ووضع قيود غير مبررة على حرية الرأي وحق النقد هو بمثابة انتقاص من أهلية المواطنين والحجر على عقولهم، فضلاً عن كونه اعتداء على حق جوهري من حقوق الانسان.
ومما جاء في إعلان الدوحة 2009 (نحن… المشاركين في مؤتمر اليونسكو لليوم العالمي لحرية الصحافة في الدوحة، قطر، في 3 أيار/مايو 2009…. نعيد التأكيد على أن حرية التعبير حق أساسي ضروري لتحقيق حريات أخرى مضمونة في الوثائق الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان،…. ونشدّد على ضرورة استقلال وتعددية وسائل الإعلام لضمان الشفافية والمساءلة والمشاركة، باعتبارها عناصر أساسية للحكم الرشيد والتنمية القائمة على حقوق الإنسان،.. ونرى أن حرية الرأي والتعبير تشكل حجر الأساس في المجتمعات الحرة والديمقراطية وتسهم في تحسين فهم مختلف الثقافات وإرساء الحوار فيما بينها….ندعو اليونسكو إلى ما يلي:الاستمرار في توعية الحكومات والمشرّعين والمؤسسات العامة، إلى أهمية حرية التعبير، بما فيها حرية النفاذ إلى المعلومات وإنتاجها…)(6)
والحال ان تطابق الفكر مع وعي مفهوم الديمقراطية كنظام قانوني وسياسي، هو أساس التمييز بين الديمقراطية الحقيقية والديمقراطية المزيفة.