لماذا خلقنا الله تعالى ؟
سؤال يردده الكثير ممن لا يفهم ولايستوعب معنى هذه الحياة أصلاً ، أو لا يعرف قيمة وجوده في هذه الحياة ، أو ممن يفتقد الى الصبر اللازم والهمة الكافية والعزيمة الكافية لمواجهة التحديات والحواجز التي تصادفه في طريقه نحو النجاح والتكامل ، والفوز بالإستحقاقات والإمتيازات الشخصية أو النوعية ، التي تهون من أجلها المصاعب ، وتتحول في سبيلها المحن الى ذكريات عابرة ننساها أو نتذكرها بفخر وإباء ، لأنها كانت سبباً من الأسباب التي توصلنا الى أعلى المراتب .
وأنا أقول لكل من يردد هذا السؤال ، أقول له : هل سألت نفسك يوماً ، بالسؤال التالي :
ماذا لو لم يخلقنا الله تعالى أصلاً ، أو ماذا لو لم يخلقني أصلاً ؟
لو لم تُخلق في هذه الدنيا لكنتَ محروماً من أشياء كثيرة يفرح بها الإنسان ويسعد اذا كانت عنده ، ولا أريد ذكر أمثلة ، لأن أسباب الفرح والسعادة مختلفة من شخص لآخر ، وهي على العموم كثيرة ومتنوعة ، وستكون محروماً من فرصة إثبات نفسك وقدراتك ، لتحصيل ثمرات ذلك وإستحقاقاته الممكنة ، ولن تكون عندك أي فرصة لفعل أو نيل ما تتمناه ، وستتحسر وتتألم كثيراً حينما ترى الخير والسرور في عيون الفائزين وأيديهم ، وستتمنى وستتوسل عندئذ أن تنال الفرصة ..
وأهم من كل ذلك أنك لن تحظى بقرب الخالق ورضاه عزوجل ، حيث النعيم الأبدي والسرور السرمدي ، ليس في الآخرة فحسب ، بل في الدنيا أيضاً مهما كانت ظروفك وأحوالك ..
ستشعر بكل هذه المشاعر المؤلمة ، إذا لم تدخل هذه الحياة ، وستحس بكل هذه الأحاسيس المريرة ، اذا لم تكن موجوداً في هذه الدنيا .
فإن لم تكن تشعر بذلك أصلاً ، ولم تحس به أصلاً ، فيكفي أنه قد فاتك ما تهون له الدنيا وما فيها ، وأنك مغبون محروم مأسوف عليك ، لأنك لم تتشرف بالحصول على جواز المرور وتصريح العبور عن طريق هذه الدنيا الى جنات النعيم والسرور الدائم والعطاء الذي ليس له حدود ، في جوار خير الخلق وأفضل البشر ، وفي رضوان رب العالمين وقربه عزوجل ، بكل ما يعنيه ذلك من إمتيازات و خصائص .
وهاهنا سؤال آخر ينبغي أن تسأله لنفسك ، إذا كنت منزعجاً من وجودك في هذه الحياة ، وغير مقتنع أو غير راضٍ بفرصتك التي منحها لك خالقك ومالكك عزوجل ..
هل سألت نفسك يوماً : ماذا لو خرجتُ من هذه الدنيا بالموت والوفاة ، لأي سبب من الأسباب ، ماذا سيحصل لي عندئذ ، هل سأرتاح وتنتهي معاناتي ومشاكلي ، هل سأكون عندئذ في سبات وهدوء ، هل سأتحرر من قيودي عندئذ حتى لو خسرت ولم أخرج من دنياي بشيء ؟
لن يحصل ذلك بالتأكيد ، فالقضية ليست بهذا الشكل ، والأمور لن تجري هكذا ..
بل سيكون هناك حساب دقيق ، وسيكون هناك إنتظار لموقف معين ، تستجمع فيه تفاصيل حياتك ، ليتم تحديد مصيرك على أساس ذلك ، وستمر بمخاض عسير وأنت تستذكر أصغر التصرفات والمواقف في حياتك ، مهما كانت حياتك قصيرة أو طويلة ، فلكل شيء وزن ومعيار في إحدى جهتي الميزان العادل ، وأنت متأرجح بين الثواب على الصالحات والعقاب على السيئات ، حتى ينتهي أمرك الى حيث تستحق أن تكون .
وستتمنى عندئذ أن تعود الى الدنيا ، لتعوض النقص وتتدارك الأخطاء ، وستحسد أهل الدنيا على فرصتهم التي ما زالت بين أيديهم ..
ولو أنٌا إذا متنا تُركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونُسأل في غد عن كل شي
فالله تعالى لم يخلقنا عبثاً ولا بطراً ، وهو تعالى كله حكمة ورحمة وعطاء وخير ، وإنما خلقنا لننال أسمى المواصفات و أعلى الدرجات ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ليوصله الى النعيم ..
الله تعالى يقول : ( إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ ، وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ ) هود -١١٩
الله تعالى يخاطب أحد أنبيائه ( عليهم السلام ) : ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) طه - ٤١
الله تعالى يقول : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) الإسراء - ٧٠
الله تعالى غني عن خلقه ، غير محتاج لهم ، وإنما خلقهم لمصلحتهم ومنفعتهم ، وهداهم وأرشدهم لما يصلحهم وينفعهم ، ولا يظلم ربك أحداً .
لكن المشكلة أنه يوجد في الحياة من يكره الحياة لا زهداً فيها ، ولا ترفعاً عنها ..
وانما يكرهها من باب اليأس الذي أوقع نفسه فيه ، والقنوط الذي ركبه وأغرق نفسه فيه ..
مع ان الحياة كبيرة الى الحد الذي لايمكن تصوره أو حسابه ..
الحياة كبيرة بفرصها وآمالها .. كبيرة بأسبابها وطرقها ومجالاتها ..
هي أكبر بكثير من كل أسباب اليأس والقنوط وخيبة الأمل ..
وهناك من يكره الحياة لخمول فيه وتقاعس عن مسئولياتها وتقصير عن مهامها وهروب من لوازم العيش الكريم فيها ..
مع ان الراحة كل الراحة في السعي البناء والعمل الهادف ..
الحياة مع العمل ومحاولة السعي ، والإجتهاد بالمقدار الممكن في أداء المسئوليات والمهام ، أجمل بكثير وأحلى بالتأكيد من حياة المتقاعسين والمتعاجزين ..
لا ملل ولا سأم في حياة العاملين ..
لا فراغ قاتل في حياة الكادحين ..
والأفضل والأجمل والأكمل أن تكون حياتنا مع الله رب العالمين وخالق الخلق أجمعين .
كلمات أقولها بإخلاص لكل مسكين لا يعرف أو لا يستوعب حقيقة ان هذه الحياة التي نعيشها هي هدية من رب رحيم ، خبير حكيم ، خلق عباده لرضاه والجنة ، لأن سعادتهم وكمالهم في ذلك .