بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
اللّهم أنطقني بالهدى وألهمني التقوى .
قال مولانا وإمامنا العسكري عليه السلام : « من استأنس باللّه استوحش من
الناس » .
لوازم الاُنس الإلهي للاُنس باللّه عزّ وجلّ ، لوازم تكون بمنزلة البرهان والدليل على ما جاء في
الخبر الشريف ، أهمّها على نحو الاجمال :
1 ـ المعرفة . 2 ـ الحبّ . 3 ـ الحضور . 4 ـ المشاهدة . 5 ـ صنع الجميل .
6 ـ الأهليّة . 7 ـ التكامل . 8 ـ التقرّب والوصال . 9 ـ علوّ المقام . 10 ـ الولاية .
11 ـ التشابه . 12 ـ العصمة من الذنوب . 13 ـ الذكر . 14 ـ مقام الإخلاص .
من أنس باللّه تعالى استوحش من الناس ، ومن أنس بالواحد استوحش من
الكثرة وما في أيدي الناس ، ومن أنس بعلم اللّه استوحش من جهل الناس ، فهم مع
الناس لا معهم ، أجسادهم مع الناس وأرواحهم تعلّقت بالملأ الأعلى ، كبر الخالق في
أعينهم ، وصغر ما دونه في أنفسهم ، عرفوا اللّه فأحبّوه ، وحضروا حضيرة قدسه ،
وشاهدوا جمال جميله ، في الكون وفي صنعه ، فهم أهل اللّه وحزبه ، وتسهّلت لهم
سُبل تكاملهم ، فتقرّبوا إلى ربّهم الكريم ، وفازوا بلذّة الوصال ، وعلوّ المقام ، وتولّى
اللّه أمرهم بخير وعافية ، ومنحهم القدرة لمّـا حملوا التشابه ، فاعتصموا من الذنوب
والمعاصي والآثام وما لا يرضى الربّ جلّ جلاله ، فذكروا اللّه ، وأخلصوا في أعمالهم
ونواياهم وحبّب إليهم الإيمان ، وكرّه إليهم الكفر والطغيان .
هذا ولا تنحصر لوازم الاُنس باللّه بأربعة عشر مقاما ، بل هناك لوازم اُخرى
كما لكلّ مقام يمكن أن يتصوّر له لوازم ومقامات عديدة .
فمقام المعرفة يستلزمها الإطاعة للّه ولرسوله صلىاللهعليهوآله ، ولمن كان في خط الأنبياء
من الأولياء والعلماء ، ولازم الإطاعة العلم والعمل بالأركان ، وبجميع ما جاء في
الشرع المقدّس من إتيان الواجبات وترك المحرّمات .
كما أنّ مقام الحبّ يستلزم إتيان المستحبّات وترك المكروهات ، بل ترك
الحلال فضلاً عن الشبهات والمكروهات .
ومقام الرضا وصنع الجميل يستلزم الصبر على البلايا .
كما أنّ مقام التكامل يستلزم ذلك كما يستلزم الحركة العلمية والحركة
الاقتصادية ، إذ كما ورد في الخبر الشريف : الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين
والصبر على النائبة والتقدير في المعيشة .
وكذلك باقي المقامات العرفانية في السير والسلوك ، يستلزمها مقامات
اُخرى ، وحالات عامّة وخاصّة .
والمقصود إقامة البرهان والدليل على قول مولانا الإمام العسكري عليهالسلام
كما تبيّن ذلك ، بأنّ من أنس باللّه الصمد استوحش من الناس الهمج ، وأكثرهم
لا يعقلون وإنّهم للحقّ كارهون ، فلا يفر من خلق اللّه ، ويعتزل المجتمع مطلقا ، بل قد
أمر اللّه بهداية نفسه وتهذيبها أوّلاً ، ثمّ هداية الناس وإمامتهم ، كما أمره بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترويج الدين ، وإقامة حكومة العدل وإصلاح
المجتمع .
في الروايات الشريفة : لا يؤنسك إلاّ الحق ولا يوحشنّك إلاّ الباطل .
اللّهم إنّك آنس الآنسين لأوليائك ... إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك ، وإن
صبّت عليهم المصائب ، لجئوا إلى الاستجارة بك ...
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ثمرة الاُنس باللّه الاستيحاش من الناس ، كيف
يأنس باللّه من لا يستوحش من الخلق ، من انفرد عن الناس آنس باللّه سبحانه ،
علامة الاُنس باللّه الوحشة من الناس .
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله : من خرج من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة ، آنسه اللّه
(38) ··· الاُنس باللّه
عزّ وجلّ بغير أنيس ، وأعانه بغير مال .
عن الإمام الصادق عليهالسلام : ما من مؤمن إلاّ وقد جعل اللّه له من إيمانه اُنسا
يسكن إليه ، حتّى لو كان على قلّةِ جبل لم يستوحش .
آه آه ... ! ! على قلوب حُشيت نورا ، وإنّما كانت الدنيا عندهم بمنزلة
الشجاع الأرقم ، والعدوّ الأعجم ، أنسوا باللّه واستوحشوا ممّـا به استأنس
المترفون .
فهل أنست باللّه ؟ وهل وصلت إلى هذه المقامات ؟
اسعَ سعيك ، فأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى ، واللّه وليّ التوفيق ، وإنّه خير
ناصرٍ ومعين .