ما يحركني في ظلام عالمنا اليوم هو أن قدرتنا على اشعال الضوء بأي شكل كان لم تنتهي بعد! ما زلنا قادرين على تمييز علبة الكبريت في أشد الأماكن سواداُ، فتحها واخراج عود منها واشعاله لنعرف أين نحن، وفنوننا كبريتنا
وتذكر، ذلك العود الذي تجاهد لتشعله وتعرف أين تقف، يراه غيرك من مسافة بعيدة ويتبعك، ويشم رائحة دخانه آخر ويتبعها ليصل!
لا تتوقف عن البحث، لا تتوقف عن اشعالها، ولا تتوقف عن النهوض.
حسنا انا لا افهم معنى ان تكون حيا، لا لنقل: وكيف تكون حياً وانت لا تدرك ان في لوحة لفان جوخ ما تعجز حيوات عن تفسيره!
كيف ذلك؟ في البداية لا يتعلق الأمر بكونه “فينسنت فان جوخ” الرسام المشهور
ولكن يتعلق بكونه “فان جوخ” الإنسان الذي استطاع ان يحرك الجميع
حرض بفنه عوالمنا الداخلية، هزها وضرب اكثر البقاع الامنة فيها، امام الفن تشتعل النيران وتدق طبول الحرب ويهيج الحشد ويتساءل!
ما الذي يحدث كيف يمكن ان تحرك هذه القطعة الجامدة كل هذا بداخلي؟
كيف تثير الرعب والفزع بداخلي!
كيف لها أن تُحيي ذلك الحب القديم
كيف لها ان تكون سؤالاً، جواباً، معضلة، ذكرى، ملجأ، صديق، عدو!
سأخبرك، لا يتعلق الأمر بفان جوخ، ربما لم تكن تعرف هذا الاسم من قبل
لأكون اكثر تحديدا لا يتعلق الأمر بالرسم أيضاً
إنه يتعلق بما يمثله الرسم لفان جوخ، بما استطاع حله من صراعات نفسه عن طريقه، كما ترى في حياة كل منا صراعات لا تنتهي، وفي حقيقة أننا نتشارك أدميتنا كان التعبير عنها منك يضرب وترا حساسا في قلبي، وإن لم يكن نفس الوتر الذي صدر منه فنك، وهنا نرى كيف لها أن تكون املاً ونعيماً او بؤساً وجحيماً في نفس الوقت، لذلك!
إن لم تحركك قطعة موسيقية او لوحة فنية او تحفة أدبية قصصية كانت ام شعرية او فيلما او أيا كان ما تعرف انه نوع من انواع الإبداع والفنون فأنت ميت!
لا يوجد بداخلك شيء مثير للاهتمام، تشاركنا الآدمية قالبا لا قلبا
لا يوجد الا ارقام وقوانين وبعض القواعد والعادات والتقاليد التي ربما لا تعرف عنها شيئا
لم تتمرد يوما! لم تتساءل! لم تتصارع أنت ونفسك على شيء لا قيمة له إلا في عينيك
مسكين أنت لم تحيا
اذكر وقوفي داخل احد القصور القديمة، أعمدة هائلة عظيمة التفاصيل، لوحات في كل مكان، على السقف ترى لوحة تجعل رأسك يتشنج من النظر اليها، نقوش دقيقة متقنة، لا يمكنك الا ان تتساءل كيف لهم بهذا!
تنصفت الغرفة حتى كان نصفها الأيمن يطابق نصفها الأيسر من منظوري، تنهدت وابتسمت كشاب يرى محبوبته للمرة الألف وما زالت تحرك كل شيء بداخله، وقفت قرابة الدقيقتين والصمت يحكم كل شيء بداخلي؟
اضاء الكثير وانطفأ غضب عارم تذكرت صديقي المهووس بالنظام، تذكرت كيف كانت تبتسم عندما كنت اقول لها “بطبول حُبك التي تعالت بداخلي، بنيران وجودك، بصمت العالم في غيابك، بابتسامة أحيت قلبي، بشيء اضاء بداخلي عندما رأيتك، كنت انا، كان فني”
في النهاية: لا قيمة لشيء حولك ولا قيمة للحياة إلا بذلك الفنان الصغير بداخلك، اطلق سراحه، اعطه قلماً او فرشاة الوان، أعطه آلة موسيقية، اعطه أي شيء يمكن به القول “أنا هنا، أنا أحيا”
وتذكر، إن لم تطلق سراحه، سوف أبحث عنك، سوف أجدك، وأقتلك!