بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا البحث سنسلط الضوء على الغازات الدفيئة, وبالاخص غاز ثاني اوكسيد الكربون, واثارها على الحياة البيئية وعلى صحة الانسان. كما سنتطرق الى المحاولات الدولية للحد من انتشار تلك الغازات والاجراءات الدولية لمعالجة مشكلة تغير المناخ وتلوث الهواء.
مقدمة
تأثير الاحتباس الحراري هو اسم لميزان قياس الطاقة التي تبقي معدل درجة حرارة الارض عند درجة حرارة معينة. يتم التحكم بمعدل الطاقة بالدرجة الاولى بواسطة الاشعاع الحراري الصادر من الارض باتجاه الفضاء, حيث ان غازات الاحتباس الحراري تمتص جزءا من ذلك الاشعاع. في حين لا تتوفر نفس كمية الامتصاص للاشعاع الوارد الى الارض من الفضاء. وهذا يعني ان الاشعاع الحراري يصل بصورة اسهل الى الارض من خروجه منها. لذلك ولتلبية متطلبات قانون توازن الطاقة ما بين الوارد والصادر, والذي نص عليه القانون الاول للديناميكا الحرارية, فان درجة حرارة الارض ستكون اكبر مما يجب ان تكون عليه بدون الاحتباس الحراري.
ان ظاهرة الاحتباس الحراري تسمى ايضا بظاهرة البيوت الزجاجية, لانها تشبه بالضبط ما يحدث للطاقة في البيوت الزجاجية المستخدمة في الانتاج الزراعي.
اهم الغازات المؤثرة في الاحتباس الحراري:
- غاز ثاني اكسيد الكربون (C2O) والذي يأتي بالدرجة الاولى من احتراق الوقود الاحفوري في وسائل المواصلات وفي المنشات الصناعية.
- اكسيد النتروس (N2O) والمعروف ايضا باسم غاز الضحك, ومصدره الاسمدة المستخدمة في تخصيب الاراضي الزراعية.
- غاز الميثان (CH4) ومصدره التسرب من مدافن القمامة ومن امدادات الغاز الطبيعي.
- مركبات الهيدروفلوكربون (HFC) وهي مركبات تستخدم كمادة تبريد في اجهزة التبريد ومكيفات الهواء.
- غاز سداسي فلوريد الكبريت (SF6) والذي يستخدم في الشبكات الكهربائية لما له من خاصية العزل الكهربائي.
- عاز الفلوركربون (CF4) وتعتبر صناعة الالمنيوم المصدر الرئيسي لهذا الغاز الملوث للهواء.
وبسبب زيادة الكثافة السكانية وزيادة الانتاج الصناعي الهائل فان نسبة هذه الملوثات في الجو قد ارتفعت ايضا. مما يعني ان تأثير الاحتباس الحراري قد اصبح اقوى, وسيزداد قوة في السنوات القادمة ما لم يتم ايجاد حلول تحد من زيادة انبعاث تلك الغازات السالفة الذكر.
في الوقت الراهن فان معدل درجة حرارة الارض مرتفعة بما يكفي. وستكون هناك عواقب وخيمة اذا ما استمرت درجات الحرارة بالارتفاع, وستصبح كل انواع الحياة على كوكبنا امام تهديد حقيقي, لما لذلك من تأثير مباشر وسلبي على النظام البيئي والامن الغذائي. بل وحتى صحة الانسان وسلامته سوف لن تكون بمنأى عن ذلك الخطر.
غاز ثاني اكسيد الكربون
الوقود الاحفوري, كالفحم والمشتقات النفطية, ولفترة تاريخية ليست بالقصيرة كانت لها الهيمنة على الاستخدام البشري للحصول على مختلف انواع الطاقة. وهذا الاستخدام قد حقق ارتفاعا مهولا لانبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون. ففي خمسينيات القرن المنصرم وصلت مخلفات ذلك الملوث الى 5 مليار طن سنويا. بينما اليوم فان كمية انبعاث ثاني اكسيد الكربون قد وصلت الى 35 مليار طن سنويا. هذه الانبعاثات الهائلة تمثل الان ما يزيد عن 4 % من الكربون الطبيعي الذي يدخل ضمن عملية التمثيل الضوئي في كل الكرة الارضية. وفي ظل غياب اتفاق ملزم لكل الدول لخفض هذه الانبعاثات فانها مستمرة بالارتفاع لتتجاوز الرقم الحالي بكثير في السنوات القادمة.
وتشير الاحصائيات والابحاث العلمية الى ان اعلى نسبة تركيز لثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت في العقود الاخيرة. حيث انه وخلال ستين عاما الماضية تمكن اكثر من 80 % من مجموع 1406 مليار طن من ثاني اكسيد الكربون من الاستقرار في الغلاف الجوي. وذلك يعني انه سنويا يضاف 2.5 % من غاز الكربون الاحفوري الى الغلاف الجوي.
بالطبع فان كمية غاز اكسيد الكربون في الوقود الاحفوري تختلف من وقود الى اخر, نتيجة ما يحمل كل نوع من انواع الوقود من قيمة حرارية. ففي الوقود الذي يحتوي على ذرات كربون قليلة فان الاحتراق يقضي على معظم ذلك الكربون. فمثلا غاز الميثان الطبيعي له انبعاثات كربونية اقل من اي وقود اخر تكون نسبة الكربون في تركيبه اكبر بعض الشئ.
الجدول التالي يوضح كمية ثاني اكسيد الكربون في كل نوع من انواع الوقود الاحفوري
نوع الوقود |
C2O غرام لكل MJ من الطاقة |
غاز الميثان |
56 |
غاز نفطي سائل |
63 |
بنزين |
69 |
زيت احتراق خفيف |
74 |
زيت احتراق ثقيل |
77 |
فحم حجري |
95 |
فحم اسمر |
101 |
فحم الخث |
106 |
الاجراءات الدولية
في ثمانينيات القرن الماضي كانت المرة الاولى التي يناقش فيها العالم بجدية موضوع انبعاث ثاني اكسيد الكربون ودوره في ظاهرة الاحتباس الحراري. حيث انه وفي عام 1988 تم تأسيس الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ والتي يختصر اسمها بـ (IPCC), وهي هيئة مهمتها الاعداد العملي ونشر تقارير لفهم اثار تغير المناخ واسبابه والاستراتيجيات التي يجب ان تتبع لمعالجته.
وفي عام 1992 صادق 191 بلدا على اتفاقية الامم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي (UNFCCC), قبل ان تنسحب الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية عام 2001 بالرغم من انها مسؤولة عن ربع كمية الغازات الدفيئة. وبعدها بعام واحد اعلنت استراليا ايضا انسحابها من هذه الاتفاقية.
في عام 1997 صادق 183 بلدا وجهة دولية على اتفاقية كيوتو, والتي تنص على ان تقوم الدول الصناعية الغنية بخفض الانبعاث الكلي للغازات الدفيئة بنحو 5.2% مقارنة بالعام 1990, خلال الفترة ما بين 2008 و 2012. ولكن مرة اخرى تنسحب الولايات المتحدة الامريكية من هذه الاتفاقية عام 2017 .
حاليا كل الجهود مبذولة على ابرام اتفاقية دولية ملزمة للجميع بحلول عام 2020. ولكن هذه الجهود توجت بعدة نكسات في شكل مقترحات مرفوضة بشأن التزامات جديدة, اخرها كان بالاجتماع الخامس عشر للامم المتحدة بشأن المناخ والذي انعقد في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن عام 2009.
حتى مع غياب الاتفاق الدولي, فان هناك اجراءات اقليمية ومحلية للحد من انتشار الغازات الدفيئة, وعلى رأسها غاز ثاني اكسيد الكربون. فمنذ 2005 والاتحاد الاوربي يعمل بنظام "شراء حصة من الانبعاث". حيث ان كل منشأة او مصنع له حد معين في كمية الانبعاث, واذا ما اضطر الى زيادة تجاوز ذلك الحد فان عليه شراء حصة من مصنع اخر. هذا النظام يحكمه قوانين ملزمة لجميع دول الاتحاد الاوربي. والغرض من هذا الاسلوب هو ان تنخفض كمية الغازات الدفيئة من 2084 مليار طن, كما في عام 2013, الى 1816 مليار طن في عام 2020.
كما ان بعض دول الاتحاد الاوربي قامت باجراءات منها زيادة الضرائب على الوقود الاحفوري مما يعني زيادة اسعار ذلك الوقود وبالتالي يضطر المواطنون الى استخدام وقود حيوي مناسب للبيئة.
الاضرار الصحية
في عام 2014 نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) تقريرا ذكرت فيه ان اكثر من 4 مليون انسانا يموت سنويا بسن مبكرة بسبب تلوثات الهواء.
واكثر ما يلوث الهواء هي الغازات الدفيئة التي يخلفها الوقود الاحفوري المستخدم في وسائل المواصلات وحركة المرور وفي محطات الطاقة والمنشات الصناعية وكذلك المستعمل في الاستخدام المنزلي.
وباختصار, فان استخدام الوقود الاحفوري وما ينتج عنه من ملوثات, اهمها ثاني اكسيد الكربون, كما يؤثر سلبا في التعادل الحراري للكرة الارضية فانه ايضا يضر بصحتنا ويهدد حياتنا.
واذا ما اراد العالم تجنب كل هذه المخاطر فانه لابد من الاستعانة بوقود بديل يكون اكثر نقاوة واقل ضررا من الوقود النفطي او الفحمي او حتى الغاز الطبيعي.
المصادر:
موقع منظمة الصحة العالمية
اتفاقية كيوتو
IPCC
UNFCCC
كتاب "Miljökemi" كتاب باللغة السويدية للاستاذة الجامعية والباحثة في علم الكيمياء Karin Bergström
الموضوع خاص لمسابقة الدرر للمقالات العلمية