بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين





[نص الشبهة]

إنَّ القول بعلة الممكنات إلى علة أزلية موجودة بنفسها ، غير مخلوقة و لا متحققة بغيرها ، يستلزم تخصيص القاعدة العقلية ، فإنَّ العقل يحكم بأنَّ الشيء لا يتحقَّق بلا علّة. والواجب في فرض الإِلهيين شيءٌ متحقق بلا علّة ، فلزم نقض تلك القاعدة العقلية
.

[جواب الشبهة]

الأول ـ إِنَّ هذا السؤال مُشْتَرَك بين الإِلهي و الماديّ ، فكلاهما يعترف بموجود قديم غير متحقق بعلة. فالإِلهي يرى ذلك الموجود فوقَ عالَمِ المادةِ و الإِمكان ، و أنَّ الممكناتِ تنتهي إليه. و الماديُّ يرى ذلك الموجودَ ، المادة الأولى التي تتحول و تتشكل إِلى صور و حالات ، فإنها عنده قديمة متحققة بلا علة. فعلى كلٍّ منهما تجب الإِجابة عن هذا السؤال ولا يختص بالإِلهي (1).

الثاني ـ إِنَّ القاعدة العقلية تختص بالموجودات الإِمكانية و الظواهر المادية فإِنها ـ بما أنَّها مسبوقةٌ بالعدم ـ لا تنفك عن علة تخرجها من كَتْم العَدَمِ إِلى عالَمِ الوجود. و لولا العلة للزم وجود الممكن بلا علة ، و هو محال.

و أَما الواجب في فرض الإِلهيينَ فهو أزَلِيٌ قديمٌ غيرُ مسبوق بالعدم. و ما هذا حاله غني عن العلة لا يتعلق به الجعل و الإِيجاد، فإِنهما من خصائص الشي المسبوقِ بالعدم و لا يعمّان ما لم يسبِقْهُ العدم أبداً و كان موجوداً في الأزل.

والسائل لم يحلل موضوع القاعدة و زعم أنَّ الحاجة إِلى العلَّة من خصائص الموجود بما هو موجود مع أَنَّها من خصائص الموجود الممكن المسبوق بالعدم ، و الواجب خارج عن موضوع القاعدة خروجاً تخصصياً لا تخصيصيا ، و الفرق بين الخروجين واضح.

الثالث ـ إِنَّ القول بانتهاء الممكنات إلى موجود واجب متحقق بنفسه مقتضى البرهان العقلي الذي يحكم في سائر المجالات. فلا يصح الأَخذ بحكمه في مجال دون مجال.

فالعقل الذي يعترف بقانون العليّة و المعلولة يحكم بلزوم انتهاء الموجودات إلى موجود واجب. و قد عبّر الحكماء عن هذه القاعدة بقولهم : « كلُّ ما بالعَرَض لا بدَّ أن ينتهي إلى ما بالذات ». كما استعانوا في توضيحه بأمثلة كثيرة معروفة في محلها، نحو : ان كل شيء مضاءٌ بالنور ، و النور مضيءٌ بنفسه ، و إنَّ حلاوة الأغذية الحلوة بالسّكر و السكر حُلْوٌ بنفسه ، إلى غير ذلك من التقريبات العرفية.

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

1 ـ والعجب أَنَّ الفيلسوف الإِنكليزي « بستراند راسل » زعم اختصاصه بالإِلهي و أَنَّ مَنْهَجَه يستلزم وجود الشي بلا علة و قد عرفت خلافه.