بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إن الذي يدل على التوحيد بمعنى نفي الشريك أمور:
الاول : إلهي فوقاني وهو ان من تأمل بفكر سليم وعقل مستقيم في هذا العالم الذي هو ما سوى الله راه من مبدئه ، وهو عالم العقول والارواح الى منتهاه، وهو عالم الاجسام كسلسلة مشتبكة منتظمة بعضها في بعض وكل جزء منها متربط بما يليه كالدور المعي ، فان الفقير محتاج الى الغني وبالعكس ، والعالم الى الجاهل وبالعكس، وهكذا الصغير والكبير والجليل والحقير والارض والسماء وكذا جميع الموجودات بقضها وقضيضها، فالعالم كبيت واحد يفسده تعدد المدبر، او كبدن يفسد تعدد الروح وكما انه اذا تعدد رئيسان في منزل او حاكمان في بلد او سلطانان في مملكة اورث اختلال نظامهما واوضاعها، فكذا لا تنتظم السماوات والارضون وما فيهما وما بينهما بالهين، وكما ان ائتلاف اعضاء الشخص الواحد الانساني منتظمة في رباط واحد منتفعا بعضها من بعض مع اختلافها وامتياز بعضها عن بعض يدل على ان مدبرها واحد وممسكها عن الانحلال قوة واحدة ومبدء واحد ، فكذلك ارتباط الموجودات بعضها ببعض على الوصف الحقيقي والنظم الحكمي دليل على ان مبدعها ومدبرها وممسك رباطها ان تنفصم واحد حقيقي يمسك السموات والارض ان تزولا ، والى هذا اشير في القران الكريم بقوله : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [المؤمنون: 91] .
الثاني : علوي و حاصله أنه كما أن وجود آثار الصانع من خلق مخلوقاته و إرسال رسله دليل عليه ، فانتفاء ذلك مما يفرض شريكه دليل على انتفائه إذ الفطرة السليمة شاهدة و العلم العادي قاض بأنه لو كان مع الصانع إله آخر لم تحتجب عن أحد آثاره و لوصل خبره إلى الناس و لعلم حاله مع الباري جل ذكره من التوافق و عدمه ، ولأرسل إلى الخلق رسلا بأوامر و نواهي و وعد و وعيد و تجويز و جرده مع عدم وصول خبره و المعرفة بأحواله احتمال غير قادح ، كما أن تجويز صيرورة الأواني المعهودة أفاضل مدققين غير قادح في العلم ببقائها على حالها ، و هذا البرهان بزغ نيره من مشرق باب مدينة العلم حيث قال عليه السّلام في وصيته لولده الحسن أو محمد بن الحنفية على اختلاف الرواية : واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله و لرأيت آثار ملكه و سلطانه و لعرفت أفعاله و صفاته و لكنه إله واحد كما وصف نفسه.
الثالث : أن التفرد بالصنع كمال فوق كل كمال ، وسلب الكمال عن ذات الواجب محال فلا يكون له شريك و لا نظير.
الرابع : انه تعالى غني بوجوب ذاته عما سواه فيكون غنيا عن الشريك و لأن الشركة نقص إذ التصرف الكامل لا يجوز لأحد الشريكين فيكون كل منهما ناقصا.
الخامس : إن كلا منهما إن لم يقدر على إقامة النظام كانا عاجزين فيكونا بالألوهية غير لائقين ، وإن قدر كل منهما على إقامة النظام كان الآخر عبثا ، أو إن كان أحدهما قادر او الآخر عاجزا تعين الأول للألوهية.
السادس : إنهما لو تعدّدا لزم كون كل منهما مركبا من الوجوب والمائز ، وكل مركب محتاج إلى أجزائه و الحاجة من خواص الممكن و المفروض كونه واجبا.
السابع : إن كل من جاء من الأنبياء و أصحاب الكتب المنزلة إنما دعا الاستناد إلى واحد استند إليه الآخر و نفي الشريك و أخبر عن الإله بأنه لا شريك له. فإن كان من أرسلهم صادقا في ذلك ثبت المطلوب ، وإن كان كاذبا لم يكن لائقا للإلهية حتى يكون شريكا ، و فرض كونه من أرسلهم ليس بمتفرد و لا شريك و كون الشريكين لم يرسلا أحدا لا يخفى قبحه ...
الثامن : إنه لو كان القديم اثنين متغايرين لزم أن يكون بينهما فرجة قديمة فيكون القدماء ثلاثة و إذا كانوا ثلاثة كانوا خمسة وإذا كانوا خمسة كانوا سبعة ... و هكذا إلى ما لا نهاية له و المدعي معترف بالبطلان فيما زاد على اثنين فالملزوم مثله.