يصبح علم الأحياء رقميًا بشكلٍ متزايد، يستخدم الباحثون الحاسوب لتحليل الحمض النوويّ وتشغيل معدّات المختبرات وتخزين المعلومات الوراثية، ولكن القدرات الجديدة تعني أيضًا مخاطر جديدة، ولا يزال علماء الأحياء غير مدركين إلى حدٍ كبيرٍ أوجه الضعف المحتملة التي تنتج عن أتمتة علم الأحياء.
ويستكشف القطاع الناشئ لأمن علم الأحياء الإلكتروني فئةً جديدةً كاملةً من المخاطر التي تنتج عن زيادة استخدام أجهزة الكمبيوتر في علوم الحياة.
وقد بدأ علماء الجامعات والعاملون في القطاع والجهات الحكومية بالتجمع لمناقشة هذه التهديدات، واتبع وكلاء مكتب التحقيقات الفيدراليّ من مديرية أسلحة الدمار الشامل دوراتٍ لعلم الأحياء التخليقيّ، والمخاطر التي تواجه أمن علم الأحياء الإلكترونيّ في جامعة ولاية كولورادو، وقبلها في كلية فرجينيا للتقنية.
ناقشنا جنبًا إلى جنب مع المؤلفين المشاركين – من فرجينيا للتكنولوجيا وجامعة نبراسكا لينكولن- نوعين رئيسيين من التهديدات: تخريب الآلات التي يعتمد عليها العلماء، وصنع مواد بيولوجية خطرة.
البرمجيات الخبيثة التي تؤثر على العالم المادي:
في عام 2010 واجهت محطةٌ نوويةٌ في إيران فشلًا غامضًا بمعداتها، بعد أشهرٍ استدعيت شركة أمنية لتحري المشكلة التي لا علاقة لها بالمعدات على ما يبدو.
فقد وجدوا برمجياتٍ حاسوبية خبيثة تدعى (ستوكسنيت – Stuxnet) تجعل المعدات تهتز، وأدى هذا العطل إلى توقف ثلث معدات المصنع وإبطاء تطوير البرنامج النووي الإيراني. وخلافًا لمعظم الفيروسات، لم يستهدف فقط أجهزة الكمبيوتر، بل هاجم المعدات التي تشغلها أجهزة الكمبيوتر.
إنَّ الربط بين علوم الكمبيوتر والأحياء فتح الباب أمام اكتشافاتٍ مذهلة، فمع مساعدة أجهزة الكمبيوتر تُفك الجينات البشرية، وتُنشأ كائنات مع قدراتٍ جديدة، وتزيد أتمتة تطوير الأدوية، وتقوم ثورةٌ في سلامة الأغذية.
وأظهرت برمجية ستوكسنيت أن الخروق الأمنية لعلم الأحياء الرقميّ يمكن أن تتسبب في أضرارٍ مادية، فماذا لو كان لهذه الأضرار عواقب بيولوجية؟، هل يمكن أن يستهدف الإرهابيون المختبرات الحكومية التي تدرّس الأمراض المعدية؟
وماذا عن شركات الأدوية التي تنتج أدويةً منقذةً للحياة؟، بما أن علماء الحياة أصبحوا أكثر اعتمادًا على العمل التقنيّ، فمن المرجح أن ترتفع احتمالات ذلك.
العبث مع الحمض النووي:
سهّل انتشار المعلومات الوراثية على الإنترنت وسرعة الوصول إليها العلم، مما مكن الباحثين الهواة في المختبرات العامة من إنجاز أعمال مهمة مثل تطوير الأنسولين بأسعارٍ معقولة.
ولكن الخط الفاصل بين تسلسل الحمض النوويّ الفيزيائيّ وتمثيله الرقمي يصبح ضبابيًا بشكلٍ متزايد.
ويمكن الآن تخزين المعلومات الرقمية بما في ذلك البرمجيات الخبيثة، ونقلها عن طريق الحمض النوويّ.
حتى أن معهد (جي كريغ فنتر – J. Craig Venter) أنشأ جينات اصطناعية كاملة بروابط مشفرة ورسائل مخفية كعلامة مائية (صورة أو رمز تظهر بشكل مختلف حسب كمية الضوء الواردة إليها مثل العلامات المائية في العملات الورقية).
قبل عشرين عامًا، لم يتمكن مهندسو الوراثة من إنشاء جزيئات حمض نوويّ جديدة إلّا عن طريق خياطة جزيئات الحمض النوويّ الطبيعية، اليوم يمكن للعلماء استخدام التفاعلات الكيميائية لإنتاج حمض نووي اصطناعي.
وغالبًا ما يتم توليد تسلسل هذه الجزيئات باستخدام البرمجيات، بنفس الطريقة التي يستخدم مهندسو الكهرباء برامج لتصميم رقائق الكمبيوتر، ومهندسو الكمبيوتر برامج لكتابة برمجيات الحاسوب يستخدم مهندسو الوراثة برمجيات لتصميم الجينات الوراثية.
وهذا يعني أنه لم يعد ضروريًا الحصول على عيناتٍ مادية محددة لإنشاء عينات بيولوجية جديدة.
من المبالغةِ القولُ أنَّ كل ما تحتاجه لخلق جين ممرض خطير على الإنسان هو الوصول إلى الإنترنت، إنك فقط تحتاج جين قليل الخطورة.
على سبيل المثال عام 2006 استخدم صحفيّ بياناتٍ متاحةٍ للجمهور لطلب جزءٍ من الحمض النووي لمرض الجدري في البريد، وقبل ذلك بعام استخدمت مراكز السيطرة على الأمراض تسلسل الحمض النووي المنشور كمخططٍ لإعادة بناء الفيروس المسؤول عن الإنفلونزا الإسبانية(واحدة من أكثر الأوبئة فتكًا على مرّ العصور).
بمساعدة الحواسيب، من السهل تحرير وكتابة تسلسل الحمض النوويّ كما الوثائق النصية، ويمكن أن يتم ذلك بنوايا خبيثة.
التعرف على التهديد:
ركزت المحادثات حول أمن علم الأحياء الرقميّ حتى الآن بشكلٍ كبيرٍ على سيناريوهات يوم القيامة، والتهديدات ثنائية الاتجاه
من ناحية، يمكن استخدام فيروسات الكمبيوتر مثل ستوكسنيت لاختراق الآلات التي يُتحكم بها رقميًا في مختبرات علم الأحياء، ويمكن استخدام الحمض النوويّ لبدأ الهجوم عن طريق كتابة برامج ضارة تتحرر عندما يُترجم تسلسل الحمض النوويّ إلى ملفاتٍ رقمية من قبل الحواسيب.
ومن ناحية أخرى، يمكن للجهات السيئة استخدام البرمجيات وقواعد البيانات الرقمية لتصميم أو إعادة بناء مسببات الأمراض.
وإذا اخترق عملاء سيئون قواعد بيانات السلاسل أو جزيئات الحمض النوويّ الجديدة المصممة رقميًا بقصد إحداث ضرر، فإن النتائج يمكن أن تكون كارثيّة.
وليس كل تهديدات أمن علم الأحياء الرقميّ مع سبق الإصرار، الأخطاء غير المتعمّدة التي تحدث أثناء الترجمة بين جزيء الحمض النووي الفيزيائيّ ومثيله الرقميّ شائعة.
وقد لا تُخلّ هذه الأخطاء بالأمن العالمي، لكنها قد تسبب تأخيراتٍ باهظة الثمن أو عمليات استرجاع المنتجات.
على الرغم من هذه المخاطر، فإنه ليس من الغريب عن الباحثين طلب عينات من العاملين أو من شركات للتأكد من أن العينة المادية التي تصلهم تتطابق مع التسلسل الرقمي المُتوقَّع.
يمكن أن تساعد تغيرات البنية التحتية والتقنيات الجديدة على زيادة أمان سير العمل في علم الأحياء، فعلى سبيل المثال يوجد بالفعل مبادئ توجيهية لمساعدة شركات إنتاج الحمض النوويّ على عرض الطلبات لمسببات الأمراض المعروفة.
ويمكن للجامعات وضع مبادئ توجيهية إلزامية مماثلة لأي طلبات إنتاج حمض نوويّ صادرة عنها.
ولا يوجد الآن أي طريقةٍ بسيطة وبأسعار معقولة لتدقيق عينات الحمض النووي عن طريق التسلسل الكامل للجينات الوراثية، وينبغي تطوير بروتوكولات مبسّطة وبرامج سهلة الاستعمال بحيث يصبح الفحص بالسلاسل روتينيًا.
كانت القدرة على التلاعب بالحمض النووي امتيازًا لمجموعةٍ قليلةٍ ومختارة، وكان التلاعب محدود النطاق والتطبيق.
أما اليوم يعتمد علماء الأحياء على سلسلة الدعم العالمية، وشبكةٍ من أجهزة الكمبيوتر التي تتلاعب بالحمض النوويّ بطرقٍ غير مسبوقة.
حان الوقت لبدء التفكير في أمن واجهة الحمض النوويّ الرقمية، وليس بعد خرقٍ جديدٍ مثل ستوكسنت.