بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
بعد شجار كبير لم يستطع النوم بسهولة، وظل يفكر فيما سيفعل به جاره الذي هدده ليلة أمس وكيف ينتقم منه، بعد ليلة قاسية عندما كان على وشك الخروج من البيت، رأى جاره وهو يحمل بيده الفأس ويخرج من بيته، في تلك اللحظات لم يشاهد سوى عينين محمرتين تثير الانتباه كأنها عينا شخص قاتل بالفطرة، عاد إلى البيت ليأتي بسلاح ويدافع عن نفسه، لكن بعد رجوعه رأى بأن الجار كان واقعا في مشكلة وأراد الفأس ليحل مشكلته وشعر بأنه وقع في فخ سوء الظن!.
مجرد ظن، غير شكل جاره إلى قاتل يمارس القتل لسنوات طويلة، كأنه لم يكن ذلك الذي عاش معه فترة طويلة وكانا أفضل الأصحاب، ففي بعض الأحيان يصبح الظن بمثابة إشعال الكبريت ويشعل فتيل القنبلة، حيث يؤدي ذلك إلى الانفجار ويقضي ليس على صاحبه فحسب، بل من حوله أيضا.
لذلك يقول الباري عز وجل في كتابه الكريم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الايمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء".
فمن الطبيعي ان يفقد الانسان الايمان بسبب سوء الظن لأنه شر يأتي بالشر الآخر، وهكذا الحال الى ان يأخذ بأنياب صاحبه نحو السوء.
من الأسباب الداعية إلى سوء الظن
ضعف الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما يقول امير المؤمنين علي عليه السلام: "لا إيمان مع سوء الظنّ".
والضعف النفسي كذلك حيث يقول امير المؤمنين علي (عليه السلام):
"الشّرّير لا يظّن بأحدٍ خيراً لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه"
والتسرع في الحكم على الآخرين، والانحراف الباطني ومجالسة اصحاب السوء والأشرار، لأن المرء على دين خليله وسوف يتأثر بأفعال وأقوال صاحبه ويتلون بمرور الزمان على اللون المحبب لدى صاحبه.
دائرة سوء الظن
أولا سوء الظن بالله سبحانه وتعالى: حيث يفكر المرء ان الله سبحانه وتعالى لا يريد له الخير وينزل عليه البلاء بين الحين والآخر ليمتحنه ويظن هو وحده الشخص الممتحن في هذه الحياة.
ثانياً سوء الظن بالناس: أن يحلل الشخص أفعال الناس من خلال أفكاره ومبادئه، فربما الفاعل يكون أبعد البعد عما يظنه الظان.
لذلك يقول امير المؤمنين علي (عليه السلام):
"سوء الظنّ بالمحسن شرّ الإثم وأقبح الظلم"
ثالثاً سوء الظن بالنفس: أحيانا لا يعرف الانسان قدر نفسه، ويجعلها في موضع لا يليق بها وبه، ويعتبر نفسه انسانا لا يستحق الحياة، هذه الموارد من أسوء الظنون، ولكن هناك ظن محمود وهو أن يعرف الانسان إنه مقصر في تأدية حقوق الباري عز وجل.
حيث يمسكه هذا الظن بأن لا يتكبر ولا يأخذه الغرور بنفسه، ويجد نفسه مقصراً في تأدية الحقوق الواجبة ويسعى دائما على علاج هذا التقصير فهنا يصبح الظن حسنا.
عن أمير المؤمنين (ع): "إن المؤمن لا يمسي و لا يصبح إلّا و نفسه ظنون عنده فلا يزال زارياً عليها و مستزيداً لها".
من مساوئ سوء الظن
- "ابتعاد الانسان عن الجميع وانعدام الثقة " حيث ينعزل و يدخل في إطار موحش ليس باستطاعته تصديق أي شخص ويشعر بأن الجميع يريد إيذائه.
حيث يقول اميرالمؤمنين علي (عليه السلام ): "من لم يُحسن ظنّه استوحش من كل أحد".
- "فساد أعمال الانسان"
يقول امير المؤمنين علي عليه السلام: إياك أن تُسيء الظّنّ فإنّ سوء الظّنّ يُفسد العبادة و يعظّم الوزر.
- "يؤدي إلى المهلكة" لأن الشخص يظل في دوامة العذاب الروحي ويشعر دائما بالوجع، ويقضي على وعي صاحبه لأنه يصبح ويمسي وهو في حالة الخوف من الناس
عن أمير المؤمنين (ع): "سوء الظّنّ يردي مصاحبه ويُنجي مجانبه".
- تدهور العلاقات وسوء المعاملة في المجتمع، حيث لا يمكن لأي أحد أن يثق بأخيه ويصبح المجتمع أنانياً فاقدا للحب والتآلف.
عن أمير المؤمنين (ع): "من غلب عليه سوء الظّنّ لم يترك بينه وبين خليلٍ صلحاً".
علاج سوء الظن
لا يوجد داء دون دواء لذلك إذا يريد الانسان ان يعالج نفسه يجب ان يقبل بأنه يعاني، فقبول المرض والمشكلة أول أمر يجب أن يقبله الشخص الذي يعاني من أي داء، ومن ثم يبحث عن الحلول لهذا المرض وهذه المشاكل، فبعض الأمور التي من الممكن ان تفيد الشخص:
أولاً: عن طريق الدعاء بأن يطلب من الله إصلاح أمره.
ثانياً: يشغل نفسه بعيوب نفسه لأن الفراغ يشعل في نفس الانسان نار الفتنة، والتجسس على أمور الآخرين. عن أمير المؤمنين (ع): "يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس".
ثالثاً: حمل أفعال واقوال الناس على الصحة.
عن الإمام علي (ع): "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك و لا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءً و أنت تجد لها في الخير محملاً".
رابعاً: الحلم والابتعاد عن التسرع في الحكم.
عن أمير المؤمنين (ع): "أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة دين وسداد طريق فلا يسمعنّ فيه أقاويل الناس أما إنه قد يرمي الرامي ويُخطيء السهام ويحيل الكلام وباطل، ذلك يبور والله سميع وشهيد، مسألة سوء الظن مسألة خطيرة جدا ولا يدخل أي شخص فيه إلا وقد فقد علاقته وأخوته ورابطته مع أعز الأشخاص لديه، فهناك من قطع حبل الأخوة بسبب الظن السوء بأخيه، وهناك من قطع حبل المودة بسبب الظن السوء بشريك حياته وهكذا لذلك.
من الجميل أن ينظر الانسان بعقله وسمعه ولا يسيء الظن بما رأت عيناه كي لا يبكي طوال حياته على فعل أثار غضبه وجعله يتمرد ويفني حبه وحياته.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
المصادر
1- القران الكريم.
2- بحار الأنوار.
3- غرر الحكم ودرر الكلم.
4- الكافي للشيخ الكليني.