بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إنه الصبر..
لقد تحملت فاطمة (عليها السلام) الكثير بعد وفاة أبيها صلىالله عليه وآله وسلم، فقالت عندما وقفت على قبر أبيها عليها السلام :
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يـشم مدى الزمان غـواليا
صُبّت عليّ مصائب لـو أنها صُـبّت على الأيام صــرن لياليا
فاطمة عليها السلام نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا كنسبة الثمرةِ للشجرة، لأن الثمرة عندما تُقطَف من الشجرة؛ تبقى الى فترة، أما الزهراء بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كالغصنِ للساق؛ عندمامات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ماتت فاطمة مع رسول الله! ولهذا كانت تبكيفي ليلها ونهارها، وروي: (إنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم،منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة).
وهي التي وصلت إلى ما وصلت إليه في تلك المدارج والمقامات العالية، وإن جعل الله طينتها طينة متعالية، فلأنّه كان يعلم أنّها تخرج مرفوعةالرأس من الامتحان في عالم المادّة والناسوت! "امتحنك قبل أن يخلقك فوجدكلما امتحنك صابرة".
نعم،إنه الصبر..
فالله تعالى إذ تلطّف بلطفه الخاصّ على تلك الطينة، لأنه يعلم بأنّها تخرج مرفوعة الرأس من الامتحان، وإلا فإنّ الكثيرين كان لديهم طينةطيّبة، لكن هل تمكّن الجميع من الصبر على الامتحان؟
فعندما نتصفّح حياة الزهراء عليها السلام ونرى كيف كانت حياتها!!
ما قبل الزواج: كانت فتاة تعامل أباها، وهو على ذلك القدرمن العظمة، بالعطف والحنان كالأم الرؤوم العطوف فكنّيت بـ "أمّ أبيها".وما كنّيت بـ "أمَ أبيها" اعتباطاً، فقد كانت عليها السلام إلى جانبأبيها، تزيل بيديها الصغيرتين غبار الحزن والغمّ عن وجه رسول الله صلى الله عليهوآله، سواء في مكّة أم في شعب أبي طالب مع كل شدائدهما، أم عندما بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحيداً مكسور القلب بوقوع حادثتين في فترة قصيرة، هي وفاةخديجة عليها السلام ووفاة أبي طالب عليه السلام حيث أحسّ النبيّ بالغربة.
وفي حياتها اليومية توجد نقطة مهمّة وهي الجمع بين حياةامرأة مسلمة في سلوكها مع زوجها وأبنائها وقيامها بمسؤولياتها في البيت من جهة،وبين مسؤوليات الإنسان المجاهد الغيور الّذي لا يعرف التعب في التعامل مع الأحداثالسياسية المهمّة بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جاءت إلى المسجد وخطبت واتّخذت المواقف ودافعت وتحدّثت..
وكانت من جهاتٍ أخرى مجاهدة بكلّ ما للكلمة من معنىً، لاتعرف التعب وتتقبّل المحنة والصعاب.
نعم يجب على جميع النساء المجاهدات والثوريات والمميّزات والسياسيات في العالم أن يأخذن الدروس والعبر من حياتها القصيرة والمليئة بالمحتوى والمضمون، وهي التي وُلدت في بيت الثورة، وأمضت كلّ طفولتها في حضن أبٍ كان فيحالة مستمرّة من الجهاد العالميّ العظيم الّذي لا يُنسى. وأما بعد الزواج: كانت الزوجة المضحية اللائقة لرجلٍ مجاهدٍ وجنديّ وقائد دائمٍ في ميدان الحرب.(لولالعلي لما وُجد لها كفؤ).
فحياة فاطمة الزهراء عليها السلام إذاً، وإن كانت قصيرة ولمتبلغ أكثر من عشرين سنة، لكنّها من جهة الجهاد والنّضال والسعي الثوريّ والصبرالثوريّ والدرس والتعليم والتعلّم، والخطابة والدفاع عن النبوّة والإمامة والنظام الإسلاميّ هي بحرٌ مترامٍ من السعي والجهاد والعمل وفي النهاية الشهادة.
ويقيناً ستبقى في أذهان البشر - سواء اليوم أم في المستقبل- نقطةً ساطعةً واستثنائية.
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ الَّذِي خَلَقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً اَنَا لَكِ مُصَدِّقٌ صابِرٌ عَلىما أتى بِهِ اَبُوكِ وَوَصِيُّهُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِما وَاَنَا أَسْأَلُكِاِنْ كُنْتُ صَدَّقْتُكِ إلاّ اَلْحَقْتِني بِتَصْديقي لَهُما لِتُسَرَّ نَفْسى فَاشْهَدي اَنّي ظاهِرٌ بِوَلايَتِكِ وَوَلايَةِ آلِ بَيْتِكِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ اَجْمَعينَ.