بسم الله الرحمن الرحيم
القانون صفر للديناميكا الحرارية, والذي يعرف باسم قانون ـ او مبدأ ـ التوازن الحراري
سبق و تكلمت عن مقدمة في علم الديناميكا الحرارية, او ما يعرف بالثروموديناميك. كما قمت بشرح القانون الاول للديناميكا الحرارية, في موضوع يحمل عنوان:
القانون الاول للديناميكا الحرارية
كما سبقني الاخ المحترم رجل كهل بشرح القانون الثالث في موضوعه:
الصفر المطلق (البرودة المستحيلة)
والان, ومن خلال هذا الموضوع سنتعرض للقانون رقم صفر من القوانين الاربعة الاساسية للديناميكا الحرارية.
وكمقدمة للموضوع لنبدأ بتجربة بسيطة: لنحضر وعائين يحتوي احدهما على ماء ساحن والاخر على ماء بارد ثم نقوم بدمجهما في وعاء ثالث فارغ, كما في الصورة التالية. المطلوب ان نعرف درجة حرارة الماء بعد دمجه في الوعاء الفارغ.
اننا نعلم انه اذا ما تم الاتصال بين جسمين او مادتين لهما درجة حرارة مختلفة, فان الحرارة ستنتقل من الجسم الاكثر حرارة الى الجسم الاقل انخفاضا في درجة الحرارة, حتى يكون لهما نفس المستوى من الحرارة. وعند هذه المرحلة يتوقف انتقال الحرارة ويكون كلا الجسمين قد وصلا الى التوازن الحراري. وعليه فان الماء الساخن وبعد مزجه تكون قد انخفضت حرارته في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه حرارة الماء البارد, وبذلك فان درجة الماء بعد اختلاطه هي بالضبط درجة المعدل ما بين الماء البارد والماء الحار. لكن يبقى السؤال: كم هي درجة حرارة ذلك الماء؟؟ فما نريد ان نعرفه هو القيمة العددية لتلك الدرجة المئوية.
قد تكون اجسامنا وحواسنا قادرة على استشعار التغير في درجة الحرارة من انخفاض وارتفاع. فنحن في اغلب الاحيان نتعامل مع تغيرات حرارة الطقس فنهيأ انفسنا لتفادي الحرارة المرتفعة او البرودة الشديدة. فما ان نضع ايدينا في الماء حتى نعرف انه اقل حرارة مما كان عليه الماء الساخن واكثر مما كان عليه الماء في الوعاء البارد. الا ان حواسنا لا تعطينا الجواب الدقيق. فاننا غير قادرين على اعطاء تعريف دقيق لدرجة الحرارة فقط باستخدام اعضاء جسمنا وحواسنا. كذلك يمكن ان ننخدع بسهولة وتكون لنا قراءة وتحليل لدرجة الحرارة غير ما هي عليه في الواقع. فجهة الحائط التي تكون معرضة مباشرة لاشعة الشمس تكون اكثر حرارة من الجهة الاخرى لنفس الحائط ولكنها في الظل. مع ان جهتي الحائط كليهما في مكان واحد وله درجة حرارة واحدة, لكن ما سبب لنا هذه القراءة المختلفة هي ظروف كل جهة والتي تختلف عن الاخرى. كذلك اذا ما جلسنا مثلا على كرسي معدني فان احساسنا بالحرارة سيختلف عما لو جلسنا على كرسي خشبي, حتى لو تم ذلك في نفس المكان والزمان.
وعلى هذا الاساس فنحن لا نستطيع الاجابة على السؤال المطروح دون استخدام ادوات اخرى.
ولحسن الحظ فان العديد من المواد تتغير خصائصها بشكل قابل للتكرار مع تغير درجات الحرارة. فالزئبق مثلا يتممد كلما ارتفعت درجة الحرارة وينكمش كلما انفخضت. فالزئبق اذاً يمكن ان يعطينا قراءة دقيقة لدرجة الحرارة. لذلك فانه باستخدام مقايس حرارة زئبقي يمكن ان نحصل على جواب لسؤالنا ومعرفة درجة حرارة الماء وعلى وجه التحديد. واساس هذه العملية ان مقياس الحرارة ـ وهو جسم دخيل ـ سيدخل ايضا ضمن عملية التوازن الحراري. وهذا هو مبدأ قانون الترموديناميك المسمى بقانون التوازن الحراري والذي يحمل التسلسل صفر.
ان قانون التوازن الحراري ينص على انه اذا كان الجسم A في توازن حراري مع B والذي بدوره في توازن حراري مع C, فان C سيكون في توازن حراري مع A, كما يوضح ذلك الشكل التالي:
قد تبدو تلك الحقيقة واضحة وبديهية, ومن السخافة ان تكون مبدئا اساسيا من مبادئ الترموديناميك. الا انه لا يمكن استنتاجها من القوانين الاخرى للديناميكا الحرارية. كما ان هذا المبدأ هو البرهان الاساسي على صحة قياس درجات الحرارة. لذلك كان من الضروري وضعها في قانون اساسي مستقل, بل انه لابد وان يكون مقدم على سائر قوانين الترموديناميك, ولهذا منح التسلسل صفر ليكون في صدارة القوانين الاربعة. ولان القوانين الثلاثة الاولى كانت قد وضعت قبل قانون التوازن الحراري ومنح كل قانون تسلسله من الرقم واحد حتى الثلاثة, وكان العلماء قد تعامل معها على هذا الاساس دهرا طويلا حتى اصبحت معروفة بارقامها. وبذلك اصبح اي تغيير في تسلسل تلك القوانين الثلاثة سيخلق مشكلة. وعليه تم اقتراح من العالم البريطاني رالف فوالر Ralph Fowler ان يمنح القانون الجديد التسلسل صفر, وقد حظي هذا الاقتراح بالقبول في الاوساط العلمية واعطي التسلسل صفر لقانون التوازن الحراري.