أول من عبد النار قابيل بن آدم. وذلك أنه لما قتل أخاه هابيل هرب من أبيه إلى اليمن، فجاءه إبليس لعنه الله، وقال له: إنما قبل قربان هابيل وأكلته النار لأنه كان يخدمها ويعبدها. فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك، فبنى بيت نار. فهو أول من نصب النار وعبدها.
وأول من عظمها من ملوك الفرس، جم. وهو أحد ملوك الفرس الأول، عظمه ودعل الناس إلى تعظيمها، وقال: إنها تشبه ضوء الشمس والكواكب، لأن النور عنده أفضل من الظلمة. ثم عبدت النار بالعراق، وأرض فارس، وكرمان، وسجستان، وخراسان، وطبرستان، والجبال، وأذربيجان، وأران، وفي بلاد الهند، والسند، والصين. وبنى في جميع هذه الأماكن بيوت للنيران، نذكرها بعد إن شاء الله تعالى. ثم انقطعت عبادة النيران من أكثر هذه الأماكن إلا الهند. فإنهم يعبدونها إلى يومنا هذا. وهم طئفة تدعى الإكنواطرية. زعموا أن النار أعظم العناصر جرما، وأوسعها حيزا، وأعلاها مكانا، وأشرفها جوهرا، وأنورها ضياء وإشراقا، وألطفها جسما وكيانا، وأن الاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع؛ ولا نور في العالم إلا بها، ولا نمو ولا انعقاد إلا بممازجتها. وعبادتهم لها أن يحفروا أخدودا مربعا في الأرض ويحشوا النار فيه، وثم لا يدعون طعاماً لذيذاً، ولا شراباً لطيفاً، ولا ثوباً فاخراً، ولا عطراً فائحاً، ولا جوهراً نفيساً، إلا طرحوه فيها: تقرباً إليها، وتبركاً بها، وحرموا إلقاء النفوس فيها، وإحراق الأبدان بها، خلافاً لجماعة أخرى من زهاد الهند.
وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعظمائها. يعظمون النار لجوهرها تعظيماً بالغاً، ويقدمونها على الموجودات كلها. ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صاغين، يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها أنفاسهم نفس صدر عن صدر مجرم. وسنتهم الحث على الأخلاق الحسنة، والمنع من أضدادها، وهي الكذب، والحسد، والحقد، والكفاح، والحرص، والبغي، والبطر. فإذا تجرد الإنسان عنها، تقرب من النار.