الميثولوجيا وعلاقته بالتفكير الديني :
لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية عبر تاريخ الحضارة قدرا من موروثها الميثولوجي(يوتوبيا) تعبر فيه عن ماضيها و خصوصيتها وعن صراعها الإنساني ضد الطبيعة بدءا من قصة الخلق الأولى ادم وحواء والملائكة إلى الجنة والنار وصولا إلى الأديان الأولى , وهي في اغلبها أساطير ثرية فيها أجوبة الإنسان على مشكلات الحياة والموت والإسرار التي تكتنفهما(1) . فهناك ارتباط وثيق مابين الميثولوجيا والاعتقاد الديني حيث يرى علماء الانثربولوجي إن الميثولوجيا ما هي إلا قصة مقدسة أو تشكيل بصياغة دينية عن ماضي نعلم انه غير صحيح لكنها تعد صحيحة بالنسبة للذين يؤمنون بها وخرافية لغيرهم (2) , أما علماء النفس فإنهم يحللون الأسطورة على إنها حلم يقظة لأي سلالة بشرية على اعتبار ان الحياة نفسها ثروة لانبثاق الأسطورة لان الكون ملئ بالخفايا واالاسرار والأشياء غير المؤكدة وهنا تتدخل الأسطورة كي تبرز العنصر الإنساني , والأسطورة في أول نشوئها في أي مجتمع بدائي هي ليست مجرد قصة تروى بل هي حقيقة يعايشها الناس وان هي انبثقت من الخيال لكنها بالنسبة للذين يؤمنون بها واقع حي يعتقد أنها وقعت فعلا في عصور بدائية سحيقة واستمرت منذ ذلك الوقت تؤثر في العالم ومصائر البشرية كقصة الخليقة والتكوين(3) فهي أي الأساطير قصص مهما كانت محيرة وغير محتملة التصديق فهي تروى بالرغم من ذلك بأيمان عميق لأنها توضح من خلال ما تدركه الحواس مفاهيم غامضة يصعب إدراكها مثل الموت والظواهر الطبيعية ومصادر الطقوس والتقاليد لأنها تهدف إلى شرح سبب نشوء تلك الظواهر وتعليلها , فهناك علاقة ما بين الأسطورة والدين أدركها علماء النفس أمثال فنسنت وعلماء الاجتماع أمثال دوركهايم وعلماء انثروبولوجييين أمثال شتراوس الذي قال إن الأساطير تبدأ بالمأثور الشفوي المرتبط بشعيرة دينية تروى بلغة غامضة وبشيء من الإطالة وهذا القول يصدق تماما على كل الأساطير (4) .
كما إن كل مجتمع إنساني في طور نشوئه التاريخي مر بمرحلة ما قبل المنطق التي كانت الأسطورة فيها تمثل الطريقة الوحيدة والطبيعية في اسلوب التفكير إلا انه مع تطور العقل والتفكير الإنساني وظهور الأديان ومن ثم الفلسفة فقد حدثت قفزة نوعية في طريقة تفسير المعتقدات الدينية وأصبح الدين والفلسفة متلازمان لاغنى عنهما في سلسة التطور الحضاري وأصبحت المعرفة باعتبارها ثمرة الجهد الإنساني تلعب دورا مهما (5) في التفكير أما الأسطورة التي كانت قديما كافية لتفسير السبب فلم تعد تلبي حاجات العقل والتفكير لذلك تراجعت الأسطورة لصالح الدين والفلسفة ومن ثم للعلم باعتبار إن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر علمي متطور ازدهرت فيه الكثير من العلوم الإنسانية والكونية من كل نوع وأصبح العقل الإنساني الحالي ذو ثقافة علمية بالدرجة الأولى .
لكن ما يحدث الآن أن اغلب الكتاب والباحثين ينتهون في تحليلهم للرموز الدينية من خلال أبحاثهم إلى استنتاجات يوتوبية تنافي العقل والمنطق وبترديد موصوف بالتبعية لآراء كتاب القرون الوسطى دون أدنى معيار للحقيقة أو التدقيق وذلك بإلصاق اتهامات وتفسيرات باطلة ووصف هذه الديانة على غير حقيقتها والطعن بأنها ديانة غير توحيدية من دون التبين من حقيقة هذا الطعن الأليم الذميم سوى إنها بعضا من الافتراءات والتلفيقات وهذا مما لايمكن قبوله و السكوت عنه ويستدعي من المهتمين بذل الجهود للتصدي لتلك المهاترات وجرحها وإظهار الحقيقة ومقارعة الحجة بالحجة والرد عليها بأسلوب هادئ ورصين .