قبل اكثر من عقدين من الزمن، كنت زعيما لأولاد (الفريج ) ، لم أكن املك مواصفات استثنائية تؤهلني لهذه الزعامة، ولكن يبدو أن خمول بقية الأولاد جعلني الأوفر حظا لتسنم هذه المكانة التي لم أسع لها بقدر ما كانت منحة إلهية لا يجوز الاعتراض عليها أو التشكيك بها !!
بصراحة، لم أشعر بأي تهديد طوال فترة زعامتي تلك، ولم أكتشف بأن هناك ثمنا يجب أن يدفعه الزعيم أحيانا دفاعا عن مكانته.
في أحد الأيام لاحظت تواجد أحد الأولاد الجدد في (الفريج) !! هذا الأمر غير مقبول البتة، لم يعلن أحد من الأولاد أنه يعرف هذا الولد الجديد !!
كيف تجرأ واقتحم حدود مملكتي دون إذني !!!
كانت الأسود القوية تقوم بالتبوّل حول مناطق سيطرتها ونفوذها لمنع الأسود الأخرى من تجاوز هذه الحدود، من يتجاوزها يصبح كالمصارع الذي يرمي قفاز التحدي في وجه الخصم !!
غالبا ما يكون الأسد المتطفل أصغر سنا من الأسد المحلّي ويظهر ذلك جليا عند نشوب المعركة الشرسة بينهما والتي تنتهي لمصلحة الأسد الغريب في أحيان كثيرة فيضطر الأسد المنهزم للتنازل عن عرشه والهرب بعيدا عن كي يلعق جراحه وكرامته !!
لم أكن مضطرا للتبول على جدران الفريج كي أعلن زعامتي رغم إجادتي لفن رسم الدوائر والأشكال الهندسية على تلك الجدران كلّما امتلأت مثانتي !!
اقتربت من الولد الجديد وطلبت منه مغادرة الفريج ، رفض ذلك وتجاهلني !! أعدت عليه الأمر فنهض واقترب مني بعناد، قائلا:
طس عن وجهي قبل لا أفرك خشتك بالقاع !!
تعالت صيحات أولاد الحارة المنادية بالهجوم، أمسكت الولد من رقبته وألصقته بالجدار وسط تصفيق الأولاد وهتافاتهم لزعيمهم الشجاع، شعرت بالنشوة وقررت ضرب الولد الذي فاجأني برفع يده وأقحم اثنان من أصابعه في عينيّ !!
صرخت من الألم وانحنيت وبدأت الضربات الموجعة تنهال على رأسي ورقبتي حتى سقطت على الأرض !!
هزيمة ماحقة، لا شك في ذلك، فشلتُ في أوّل اختبار حقيقي.
عادت عيناي إلى حالتهما الطبيعية بعد 3 أيام ولم تعد كرامتي المهدرة، حاول أولاد الفريج التخفيف من مصابي وخيبتي ولكني لم استطع أن أتصرف كزعيم مرة أخرى.
بعد أسبوع من النكسة، ظهر الولد اللعين في الحارة مجددا، أردت تحاشيه والتظاهر بعدم رؤيته ولكن الأولاد لم ينفكوا يطالبونني بالثأر، تظاهرت بالشجاعة وقررت مصارعته مرة أخرى مع اخذ الحيطة والحذر من أصابعه الماكرة، هجمت عليه وأنا أراقب حركة يديه وعندما اقتربت منه أمسكت بيديه فضربني بركبته بين فخذيّ، فتهاويت على الأرض وانهالت الضربات مجددا !!
كان الألم لا يطاق، رغم ذلك كنت أسمع بعض العبارات المتهكمة من أولاد الفريج :
- صار ملطشة ، تهزأ الدب ! طلع خيخة .
سمرقندي لا يغرك الكلام اللي فوق ، ترى الحين تعلمت وتدربت وصرت اعرف كل انواع المصارعة ، حتى المصارعة اليابانية اللي يتصارعون فيها الدببة ومايكونون لا بسين هافات سنة تسترهم !!
يلا اختار وقول لي :
تبي مصارعة رومانية
او مصارعة حرّة
او حتى مصارعة ديكة
انا بصراحة افضل المطارح ، وهي التماسك واللي يسدح الثاني هو الفايز .
ترى ما عندي اي شروط لتنظيم المصارعة ، بس شرط فقط لاغير وهما :
1- ممنوع خربشة العينين
انا بأنتظارك ياسمرقندي