يُقال عموماً إنّ آسيا الصغرى هي على الأرجح نبع الميثرويّة والأرض لتي انطلقت منها تلك الديانة، حيث تواجدت الجماعات الفارسيّة وكهنتها، الذين كانوا يسمّون بالماجي [المجوس]، في نهاية مرحلة الحكم الأخميني (بدءاً بالقرن الخامس قبل الميلاد وانتهاء بالقرن الرابع قبل الميلاد). كانت هذه الجماعات تفضّل حلولاً توفيقيّة مع الديانات المحليّة، من هنا فالاعتقاد السائر هو أنّ الميثرويّة، كما وصلت إلينا، ليست غير نتيجة لتهجين عناصر كثيرة. وهكذا لا يمكننا فهم الميثرويّة أو تفسيرها دون أن نضع بحسباننا المقابلة بين العالمين الدينيين لإيران وبلاد ما بين النهرين. فانتشار العناصر الفلكيّة فيها يوحي أنّ ديانة بابل الفلكيّة، التي تطوّرت بشكل خاص في الألف الأولى قبل الميلاد، لعبت دوراً هامّاً في تكوّن الميثرويّة. ولا بأس من الافتراض أنّه في زمن أكثر قدماً اتحد الإله الإيراني ميثرا مع شمش، إله الشمس في بلاد ما بين النهرين.
تشير عناصر كثيرة إلى انتشار كبير لعبادة ميثرا في النصف الثاني من الألف الأولى قبل الميلاد في المناطق الغربيّة لحدود الدولة الأخمينيّة، من آسيا الصغرى إلى بابل وأرمينيا. وفي هذه الحالة لا يمكننا الحديث عن ميثرويّة، بل فقط عن عبادة الإله ميثرا المختلفة عن الأصل الذي كانت عليه في إيران الزرادشتيّة. لكن النسخة الإغريقيّة للإله الإيراني، في القرن الأوّل قبل الميلاد، واضحة المعالم. وكما تُظهر نُصب كالنيكوس Kallinikos وأنثيوخوس Anthiochus، يتماثل ميثرا مع هليوس وأبولو وهرمس. أمّا بالنسبة إلى فهم تطوّر الديانة في الإمبراطوريّة الرومانيّة، فإن شهادة بلوتارك Plutarch في "حياة بومبي Pompy " تبدو ذات أهميّة خاصّة. فهي تتعلّق بعبادة ميثرا وفق الصورة التي انتشرت بها بين قراصنة كيليكيا، في منطقة جنوب آسيا الصغرى، التي يفترض أنها منبع الطقوس الاحتفاليّة السرانيّة للميثرويّة وقت كان بلوتارك على قيد الحياة. لدينا أيضاً منابع للميثرويّة أكثر قدماً من السابقة، من ذلك بوزيدونياس Posidonias، على الغالب. وهكذا، يمكننا تتبع أثر العبادة الرومانيّة لميثرا وصولاً إلى العام 100 ق.م.
كانت فترة حضانة الديانة الجديدة طويلة على الأرجح. وفي Thebas يطالعنا نصب لميثرا، نراه فيه وهو يقوم بذبح عجل، الأمر الذي يدلّ على وصول الديانة إلى روما بالذات. وقد كان هذا بداية الانتشار العريض للميثرويّة، الذي نصادفه في ظلّ الأباطرة الفلافيين Flavian، في الربع الأخير من القرن الأوّل للميلاد. لكننا لا نستطيع تحديد المراحل الخاصّة بتحوّل الإله الإيراني هذا إلى إله الرومان السرّاني. مع ذلك، يمكننا أن نستنتج أنّ للتحوّل أساساً ميزتين رئيستين من ميزات الإله الإيراني: ميثرا هو إله النور، القريب من الشمس، وميثرا هو إله الخلاص.
من المنابع يمكننا التأكّد من السمات الشمسيّة لميثرا، لكن ميثرا ليس تشخيصاً للشمس، مع أن اسمه، مثر Mithr، هو أحد أسماء الشمس. في الأفستا، يبدو هذا الإله وكأنه على علاقة بهفار خشيتا Hvar Khashaeta أو الشمس المشرقة، مثلما هي العلاقة بين ميثرا الروماني والشمس Sol. أمّا بالنسبة إلى الاستدلال على طبيعة الإله الإيراني كإله خلاص فيمكن الوصول إليه من براهين كثيرة. من ذلك على سبيل المثال، أسطورة توفيقيّة هامّة من الحقبة البارثيّة عن المخلّص، خالق الكون، الذي كان ميثرا، المولود في مغارة، نصيراً له. أمّا عيد ميلاده، الذي كانوا يحتفلون به يوم 25 كانون الأوّل ـ ديسمبر، فقد كانت تصحبه دلالات خاصّة وأعياد تجلّ شهيرة، واعتبر رمزاً لطقس ملكي مصاحب لمسألة إدخال أحدهم في الديانة.